الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يقع الطلاق إن سئل الزوج عن صفة خروج زوجته من البيت فقال بصفتها مطلقة

السؤال

تشنجت علاقتي بزوجي كثيرا إثر مشكلة افتعلتها أمه منذ عيد الأضحى الفارط (يوم 08 نوفمبر 2011), حيث هاتفت والدتي و تجرأت عليّ وعلى أهلي بالكلام الجارح و التكبر! في البداية, كان زوجي متفهما لخطأ أمه و وعدني بأنه سيحاول إصلاح الوضع وأن المسألة مسألة وقت ليس إلاّ. و لكن, منذ ذالك اليوم, امتنع زوجي عن الدخول إلى بيت أهلي بالرغم من كرمهم و حسن معاملتهم له, ومنعني من الذهاب إلى بيتي في صفاقس [منزل خاص مستقل على ملك الزوج] الذي يجاور بيت أمه, وأصبحنا منذ ذلك اليوم, عند الذهاب إلى صفاقس نهاية كل أسبوع, يتركني أمام بيت أهلي ويذهب هو ليبيت في بيته, ليقضي ما شاء من الليالي بعيدا عني, ثم يأتي ليأخذني من أمام بيت أهلي عند الرجوع إلى العاصمة ... وبعد مضي ما يقارب الشهر عن نشوب هذه الأزمة العائلية , استأت وغضبت كثيرا من هذا الحال وحصل بيني وبين زوجي خصومات عدة لإحساسي بإهانة زوجي لي وظلمه لي وعدم إنصافه لي ولأهلي, حتى أنني طلبت منه ذات مرة ,وأنا في غضب شديد, تطليقي بدلا من الإساءة إلي, فقال لي وهو في غضب شديد “أنت طالق“,ثم سرعان ما ندم على نطق تلك الكلمة وقال إنه لم يقصد ذلك ,وإنه قد تلفظ بها في حالة غضب شديد , فامتنعت عن فراشه ما يقارب الشهر,مطالبة إياه بأن يسأل عن ما إذا كان قد حدث الطلاق أم لا وكيفية الرجوع من الناحية الشرعية, فأبدى زوجي حسن نيته في ترجيعي ودار بيننا الحوار التالي: _الزوج:رجعتك إلى عصمتي وولاية أمري _الزوجة:هل أطمئن على مستقبلي معك _الزوج:طبعا اطمئني فرجعنا نقيم حياة زوجية طبيعية. في هذا الصدد أريد أن أعرف, شيخي الكريم, ما إذا كانت هذه تعد طلقة أم لا؟ بعد ذلك ,وبما أن المشكل الأصلي لم يقع حله بعد ,تعمد زوجي تدريجيا مزيدا من الإساءة إليّ, فأصبح مقصرا , أكاد أقول في كل حقوقي عليه, فهو لطالما يغيب عني متى شاء و بدون سبب ملح, وأحيانا دون حتى إذني و لا علمي , وبعد أن اعتاد إعطائي مبلغا شهريا مقداره 500 دينار علاوة على إنفاقه عليّ في المأكل والمشرب, أصبح لا يدخل البيت إلا في ساعة متأخرة من الليل! لا يتكلم معي ولا يحدثني! وعندما أسأله عن سبب صمته يتهمني بالنكد, ثم أصبح لا يتناول لا الفطور ولا العشاء معي, و امتنع عن إعطائي النفقة التي اعتاد أن يعطيني إياها شهريا بحجة أنني أشتغل , حتى أنه أصبح لا ينفق عليّ في المأكل و المشرب منذ بداية شهر مايو الماضي ,بحجة أنه قد أنفق علي في السابق بأكثر مما أستحق!!! ومع ذلك لزمت الصبر ولم أقصر في حقوقه ولا في شؤونه الخاصة ولا في شؤون البيت , وأحسنت إليه مقابل إساءاته لي أملا مني أنه سيراجع تصرفاته وسيدرك أنه على خطأ , ولكنه, فاجأني ذات ليلة و صرح لي منذ بداية شهر مايو الفارط بأنه سيطلقني , مع اعترافه لي بأنه يحبني وأنني لا أستحق الطلاق ولا أهون لذلك, ولكنه قال لي: “الله غالب, هذا هو الحل الوحيد للخروج من الأزمة العائلية “, فأدركت حينها أن أمه وأهله هم من ضغطوا عليه ليطلقني فاستجاب لرغبة أمه طاعة لها! ففي هذا الصدد, أريد معرفة التصرف الأمثل الذي كان على الزوج أن يتوخاه إذا كان يتقي الله, فليس هناك حدود لطاعة الأم خاصة وأنني كنت أحسن معاملتهم بالرغم من إساءتهم السابقة لي؟ فمنذ أن علمت بنية زوجي في الطلاق, امتنعت عنه وهجرت فراشه, وبعد محاولات مني من التثبت ما إذا كان يجوز لي فعل ذلك من الناحية الشرعية ,أفادوني بعض المشايخ بأن إحضار نية الطلاق عند الزوج لا يعطي الحق للزوجة لهجره ,فرجعت لفراش زوجي طاعة لله وأملا مني أنه سيتراجع في قرار الطلاق. ولكن ظل الحال على ما هو عليه إلى غاية يوم 07 جويليا الفارط , فبعد أن تأكد زوجي من أنني أتممت مهامي بالجامعة , طلب مني أن آخذ أمتعتي وأن أغادر بيت الزوجية إلى بيت أهلي بصفاقس, وعند رفضي لطلبه بمغادرة بيت الزوجية بحجة أنه لا الشرع ولا القانون يعطيني الحق في ذالك ,غضب زوجي كثيرا كثيرا كثيرا و جن جنونه فهاتف أخي في الحين, ودار بينهما الحوار التالي: -زوجي: قل لأختك أن تلم أمتعتها وتخرج من البيت حالا. -أخي: إلى أين تريدها أن تذهب؟ -زوجي: إلى بيت أبيها -أخي: وما هي صفتها إذا رجعت إلى بيت أبيها هل بصفتها مازالت زوجتك أم بصفتها مطلقة؟ -زوجي لا بل مطلقة! في هذا الصدد ,أريد معرفة ما إذا كانت هذه طلقة أم لا في نظر الشرع أم أنه لايقع الطلاق إلا عندما أمكث ببيت أبي بناءا على كلام الزوج؟ فإن كانت تعد طلقة, أعلم أنه عليّ المكوث ببيت زوجي مدة العدة, فما هي حقوق و واجبات وحدود كل من الزوجين خلال هذه الفترة؟ و ما هي كيفية التعامل واللباس؟ وفي حالة مرور مدة العدة وانقضائها ,هل يجب عليّ أنا مغادرة بيت زوجي والحال أنني أفتقد مسكنا خاصا بي في تونس العاصمة وأنا مرتبطة بعملي هناك ,أم أنه بإمكاني مطالبة زوجي ليغادر هو بيت الزوجية بما أنشأه بيمين الطلاق وعدم إصلاح ما أفسده ,خاصة وأن زوجي صرح لي بأنه قد تراجع في قرار الطلاق وفي تقديم قضية في الغرض ,ليس بنيّة إرجاعي إليه و إنما نكاية فيّ لعدم استجابتي لرغبته في الخروج من البيت وتوعّدني بالمزيد من الإهانات وبشن “حرب عليّ“ وأن يتركني معلّقة ,وقال لي “بإمكانك أن تمكثي هكذا ما شئت حتى عشرات السنين وعندما تملين من هذا الوضع ,قدمي قضية في الطلاق وسأستجيب لكِ على الفور“!!!. شيخي الفاضل ,فإن كنتم ترون بأنني أنا المعنية بمغادرة بيت الزوجية بعد انقضاء العدة ,فالقانون يمنعني من ذلك وإلا فسأصبح ناشزا في نظر القانون ,وهكذا سأضيع كل حقوقي و سيصبح ليس بإمكاني أخذ مستحقاتي في الطلاق ,لا بل وربما سأجد نفسي مطالبة بإعطائه تعويضا معنويا لكوني أنا من يرغب في الطلاق!!. شيخي الفاضل, خلاصة الأسئلة هي كالتالي: -في الحالة الأولى التي قال فيها الزوج “أنت طالق“ هل تعد هذه طلقة أم لا خاصة وأن الزوج كان في حالة غضب شديد و أكد أنه لايقصد ذلك؟ -في الحالة الثانية ,عندما هاتف أخي وطلب منه أن يأمرني بالخروج و قال له إنها ستمكث في بيت أبيها بصفتها مطلقة ,فهل وقع الطلاق في هذه الحالة أم لا؟ إذا وقع الطلاق في الحالتين أعلم أن الزوجة مطالبة من الناحية الشرعية بالمكوث في بيت زوجها مدة العدة فما هي حقوق و واجبات و حدود كل من الزوجين خلال هذه الفترة؟ وما هي كيفية التعامل بينهما واللباس ؟ -إذا رغب زوجي في إرجاعي إليه مرة أخرى خلال فترة العدة فما هي الضوابط الشرعية لذالك , وهل بإمكاني أن أشترط عليه مبلغا ماليا مثلا؟ -إذا انقضت فترة العدة ولم يرجعني إليه, فهل بإمكاني المكوث في بيت الزوجية ومنعه هو من الدخول إليه بصفته أصبح أجنبيا عليّ خاصة و أنني أشتغل مدرّسة بتونس العاصمة وليس لديّ مكان آخر أمكث فيه, هذا من جهة, ومن جهة أخرى, القانون لا ينصفني في هذه النقطة, فإذا أخذت أمتعتي وخرجت سأتهم حينها بالنشوز والهروب من بيت الزوجية وعدم الطاعة للزوج. فما هو التصرف الأمثل الذي يمكنني من أحفظ حقوقي من الناحية القانونية والطاعة لربي من الناحية الشرعية . احترت كثيرا كثيرا في هذه النقطة بالذات ,أرجو منكم شيخي الفاضل أن تجيبوني عن كل تساؤلاتي أجوبة دقيقة و واضحة في أقرب وقت ممكن. بارك الله فيكم وجزاكم الله عني وعن المسلمين خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلمي أن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق ما دام صاحبه قد تلفظ به مدركا لما يقول غير مغلوب على عقله ، وراجعي الفتوى رقم :98385.

وعليه فالحكم في وقوع الطلقة الأولى أو عدمه يتوقف على معرفة حال الزوج حين تلفظ بالطلاق هل كان مدركا لما يقول أم كان مغلوبا على عقله ؟ أما قصده إيقاع الطلاق أو عدمه فغير معتبر لأن اللفظ الصريح في الطلاق لا يحتاج إلى نية .
وأما قوله : " بصفتها مطلقة" فالظاهر –والله أعلم- وقوع الطلاق به لأنه لفظ صريح في الطلاق ،
وسواء حكمنا بوقوع الطلقة الأولى أو بعدم وقوعها ، فإن هذا الطلاق رجعي –ما دام أقل من ثلاث- ومن حق زوجك أن يراجعك ما دمت في العدة دون حاجة لرضاك بل ولا علمك وأحرى لا يحق لك اشتراط شيء من المال للرجعة ، وانظري الفتوى رقم : 106067.

وخلال مدة عدتك من هذا الطلاق الرجعي فأنت في حكم الزوجة -على القول الراجح- فيجوز لزوجك أن يخلو بك ويلمسك ويجامعك ، ولك أن تتزيني و تتعرضي له ، و لا يجوز لك الخروج من البيت لغير ضرورة ، ولا يجوز لزوجك أن يخرجك منه قبل انقضاء عدتك ، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ .. " الطلاق.
تراجع الفتوى رقم: 36664 ، وإذا انقضت عدتك فلا حق لك في المسكن.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني