الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجوز خلع النقاب بسبب الدراسة واعتراض الوالدين

السؤال

أنا فتاة منتقبة, عمري 23 سنة من تونس, الحمد لله الذي هداني للنقاب منذ شهرين, ولا أستطيع وصف شعوري وفرحتي لأن الله هداني, وأصبحت متعلقة جدًّا بالنقاب, وأعمل على إصلاح نفسي بقراءة القرآن, والاجتهاد في تعلم أحكام التجويد, وكل ما يقربني إلى الله.
ولكن المشكلة الكبرى أني وجدت معارضة شديدة من والدي وإخوتي على النقاب, ومنذ بداية التزامي لم أجد من يساندني أو يشجعني على شيء, حتى أنهم لم يوافقوا على رغبتي في الالتحاق بجمعية لتعلم أحكام التجويد وحفظ القرآن.
وكلما ناقشتهم في رغبتي بالعودة إلى الدراسة بالنقاب أجد معارضة شديدة وقاطعة من أبي, وغير قابلة للنقاش, معلِّلين ذلك بأن الوضع في بلادنا مازال حرِجًا, وأننا مازلنا لا نأمن رجال الشرطة في الشارع الذين كانوا ينزعون النقاب عن المنتقبات, ويجرونهن إلى مراكز الأمن في عهد الرئيس السابق, وأن هناك معارضة شديدة للأساتذة بأمر النقاب, وأنهم سيثيرون عليّ المشاكل في الجامعة, هذا إلى جانب المضايقات التي يمكن أن أتعرض لها من الناس والطلبة في الشارع, والكلام البذيء الذي سبق وتعرضت له عندما كنت مع أمي في السوق بسبب النقاب, وهذا ما زاد أهلي إصرارًا على منعي من الخروج به للدراسة.
أنا الآن في آخر سنة لي في مسيرتي الدراسية؛ لأحصل على شهادة الماجستير في آخر السنة الجامعية - إن شاء الله - وعائلتي ليست ميسورة الحال, وأبي وأمي يريدان مني أن أكمل تعليمي وأبحث عن عمل؛ حتى أساعدهما في أعباء المصاريف, فعمل أبي لم يعد يكفي؛ لأن إخوتي كبروا, ومصاريفهم كثرت معهم.
والديّ يشعراني بأن رغبتي في الالتزام بالنقاب الآن أنانية مني؛ لأني أوشكت على إنهاء دراستي, ويجب عليّ البحث عن عمل؛ حتى أساعدهما وأرد لهما الجميل, وهما لم يقولا لي هذا, ولكني أشعر به في تصرفاتهما, وكلام إخوتي معي, حتى أن أمي لم تخفي عليّ خيبة أملها فيّ لأني لبست النقاب, ولم أفكر بأبي الذي أصبح كبيرًا في السن, ويجب عليّ أن أريحه, وأرد له القليل من جميله عليّ.
أشعر بتأنيب الضمير كلما نظرت له وهو عائد مرهق من عمله, وكلما استمعت إليهما وهما يتناقشان في أمر المصاريف التي يجب دفعها, والمال الذي ينقصنا, لا أخفي عليكم أني أصبحت أشعر بالكآبة والقلق, ولا أعرف ما أفعله, أعرف أن التزامي بالنقاب واجب, ولكني في نفس الوقت أكره نفسي لأني فضَّلت نفسي على راحة والدي.
خاصة أني أعرف أنهما لن يسمحا لي بلبس النقاب عند عودتي للدراسة, وسيضعاني في موقف الاختيار بين إكمال دراستي من غير نقاب, أو التخلي عن دراستي, والبحث عن عمل, وسيكون نتيجة ذلك غضبهما عليّ ومشاكل كثيرة وشجار يومي.
أرجو منكم أن تساعدوني على إيجاد حل؛ لأني – واللهِ - أشعر أني في دوامة, وأدعو الله أن يوفقني لإيجاد حل أرضِي به ربي أولاً ثم والديّ.
جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يثبتك ويسددك, ويشرح صدرك, ويوفقك لطاعته, ويهديك لأرشد أمرك، واعلمي أن حرصك على الحجاب وتعلم القرآن وبر والديك كل ذلك من فضل الله ومنته عليك فاشكري الله قلبًا وعملاً.

ولا يخفى عليك أن في وجوب النقاب - عند أمن الفتنة - خلافًا بين أهل العلم، لكن ما دمت تعتقدين وجوبه فلا يجوز لك تركه للأسباب المذكورة، ولو أمرك والداك صراحة بخلعه والخروج للدراسة, أو العمل كاشفة وجهك, فلا تلزمك طاعتهما, بل لا يجوز لك ذلك فإن الطاعة لا تكون في معصية الله.

والذي ننصحك به أن تتفاهمي مع والديك برفق وحكمة, وتبيني لهما أن الأمور قد تغيرت في بلدكم – بفضل الله - بعد سقوط النظام الفاسد, ولم تعد تلك المخاوف سائغة, فقد بات بالإمكان أن تكملي دراستك, وتعملي عملاً مباحًا من غير أن تتخلي عن حجابك، ويمكنك أن تستعيني ببعض الصالحين من الأقارب أو غيرهم من أهل الصلاح ممن له وجاهة عند والديك، وعليك بالاستعانة بالله, والتوكل عليه, وتفويض الأمر إليه، وهو سبحانه يكفيك كل ما يهمك،
قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق: 2ـ3}.

وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني