الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يؤجر من تصدق لوجه الله ولأجل الدنيا

السؤال

أنا أقوم بتثليث الربح الذي أحصل عليه. وأتبرع للجمعيات الخيرية وغيرها وهذا كله سراً حتى إخوتي لا يعلمون بهذا فقط شركائي وبعض الأقارب والمعارف التي تصل من خلالهم أو لهم المساعدات، ولكني وجدت هناك من هم بحاجة للمساعدة، ولكن هذه المساعدة لهذه الجهة تدخل ضمن مصلحة لي لتحسين علاقة عمل مع بعض الجهات المسؤولة عنهم؛ لهذا لم أتبرع لهم. أتبرع فقط إذا أمكنني أن أبقي الأمر سراً. وسؤالي: هل إذا تبرعت لهم يدخل ضمن الرياء أو حتى يقلل من قيمة الحسنات؟
فأنا أقصد بهذا العمل وجه الله. أرجو إفادتي، و بارك الله لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهنيئا لك حرصك على البذل في وجوه الخير، ونسأل الله تعالى أن يشكر سعيك، وأن يتقبل منك صدقتك، وأن يضاعف لك فيها الجزاء، وأن يعينك على الإخلاص فيها إنه سبحانه ولي مجيب.

وقد أحسنت في التماسك السر والإخفاء في الصدقة فهو خير وأعظم أجرا من إظهارها وإعلانها، وراجع لذلك الفتاوى المحال عليها في الفتوى رقم: 77420 .

ثم إننا نقول لك: أنت في صدقتك هذه ينبغي لك أن تؤثر المحتاج على غيره، قال المناوي في فيض القدير: والصدقة على المضطر أضعاف مضاعفة، إذ المتصدَق عليهم ثلاثة: فقير مستغن عن الصدقة في ذلك الوقت، وفقير محتاج مضطر، فالصدقة على المستغني عنها وهو في حد الفقر صدقة، والصدقة على المحتاج مضاعفة، وعلى المضطر أضعاف مضاعفة. اهـ

كما ينبغي أيضا أن تؤثر فيها كل ما كان يترتب عليه جلب مصلحة لدين الله تعالى، ففي الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية : فإنما العطاء إنما هو بحسب مصلحة دين الله، فكلما كان لله أطوع ولدين الله أنفع كان العطاء فيه أولى، وعطاء محتاج إليه في إقامة الدين وقمع أعدائه وإظهاره وإعلائه أعظم من إعطاء من لا يكون كذلك، وإن كان الثاني أحوج. اهـ

وإذا أنت راعيت في صدقتك الأحوج -كما ذكرنا- فلك فيها أجر الصدقة كاملا، وما ينالك فيها من نفع دنيوي لم تقصده بصدقتك فلا ينقص من أجرك إن شاء الله تعالى شيئا، وليس في هذا من الرياء شيء.

وللإمام عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تفصيل مهم في عموم هذا السياق حيث قال :

وأما العمل لأجل الدنيا وتحصيل أعراضها فإن كانت إرادة العبد كلها لهذا القصد ولم يكن له إرادة لوجه الله والدار الآخرة فهذا ليس له في الآخرة من نصيب ، وهذا العمل على هذا الوصف لا يصدر من مؤمن، فإن المؤمن وإن كان ضعيف الإيمان لا بد أن يريد الله والدار الآخرة . وأما من عمل العمل لوجه الله ولأجل الدنيا والقصدان متساويان أو متقاربان فهذا وإن كان مؤمناً فإنه ناقص الإيمان والتوحيد والإخلاص ، وعمله ناقص لفقده كمال الإخلاص . وأما من عمل لله وحده وأخلص في عمله إخلاصاً تاماً لكنه يأخذ على عمله جعلاً معلوماً يستعين به على العمل والدين كالجعالات التي تجعل على أعمال الخير، وكالمجاهد الذي يرتب على جهاده غنيمة أو رزق ، وكالأوقاف التي تجعل على المساجد والمدارس والوظائف الدينية لمن يقوم بها فهذا لا يضر أخذه في إيمان العبد وتوحيده لكونه لم يرد بعمله الدنيا ، وإنما أراد الدين، وقصد أن يكون ما حصل له معيناً على قيام الدين ، ولهذا جعل الله في الأموال الشرعية كالزكوات وأموال الفيء وغيرها جزءًا كبيراً لمن يقوم بالوظائف الدينية والدنيوية النافعة. اهـ

وراجع الفتوى رقم: 67131 لمعرفة شروط الإنفاق في سبيل الله وبعض آدابه، ولمعرفة حقيقة الرياء راجع الفتوى رقم: 10992 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني