الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أثر الاستجمار في محله يعتبر من النجاسة المعفو عنها

السؤال

قرأت في عدد من فتاواكم أن ماء الاستنجاء - غسالة النجاسة - إذا انفصل قبل تطهير أو إزالة النجاسة حكم بنجاسته, حتى وإن لم يتغير, وأن هذا الماء إذا انفصل بعد تطهير النجاسة حكم بطهارته على الأرجح, ونظرًا لأنني أعاني وسواسًا شديدًا فيما بخص الاستنجاء، خصوصًا الماء الذي يتطاير ويصيب ملابسي ورجلي أثناء الاستنجاء - أعزكم الله - ونظرًا لأنني لا أستطيع أن أحدد هل هذا الماء المرتد أو المتطاير على ملابسي أو رجلي انفصل قبل أم بعد تطهير المحل، قررت أن ألجأ إلى الحل الآخر، وهو الاستجمار أو استخدام المناديل الورقية، وهذا الحل أراحني كثيرًا عند الاستنزاه من البول، ولكن ثمة إشكالية بسيطة أود أن أطرحها على سيادتكم فقد قرأت أن أثر الاستجمار نجس؛ فلو تعرق الإنسان حكم بنجاسة هذا العرق، وسؤالي هو: هل الأفضل أن أكتفي بالمناديل تجنبًا للوسواس، أم أن الأحوط أن أستخدم الماء بعد ذلك؟ وإذا استخدمت الماء بعد استخدام المناديل، فهل الماء الملاقي أثر الاستجمار ينطبق عليه حكم العرق أو حكم غسالة النجاسة التي تنفصل قبل تطهير المحل والتي يحكم بنجاستها حتى وإن لم يتغير الماء، وبالتالي تتنجس ملابسي ورجلي إذا أصابها هذا الماء المرتد بعد ملاقاته أثر الاستجمار؟ نظرًا لأن أثر الاستجمار نجس، كما فهمت من موقعكم الكريم, فهل أكتفي بالمناديل، وأقصد هنا عند الاستنزاه من البول, وليس من الغائط، بدلًا من الوقوع في براثن وسواس الماء المتطاير، أم أن الأحوط أن أستخدم الماء بعد المناديل؟
كما أنني علمت أن المناديل لا تجزئ إذا جاوز البول المحل المعتاد, فما هو قول الجمهور في ذلك, وهل هو إلى منتصف الحشفة, أم ثمة خلافًا في ذلك؟ جُلُّ ما أريده هو أن أتبع القول الأحوط، والأكثر ورعًا؛ لأنني أعلم أن عامة عذاب أهل القبر من البول, وأنا لا أستطيع أن أجازف بعدم قبول صلاتي - لا سمح الله - لذلك أميل إلى اختيار الأحوط، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالطهارة والصلاة التي هي عماد الدين.
جزاكم الله خيرًا, وأرجو من سيادتكم أن يتسع صدركم لأسئلتي، وألا يضيق صدركم بها، وألا تحيلوني إلى فتاوى أخرى، فأنتم تحملون في أعناقكم رسالة عظيمة, جعلها الله في ميزان حسناتكم، وكل ما أرجوه وأصبو إليه هو الاحتياط, وتجنب أي شبهة قد تؤدي إلى عدم قبول صلاتي؛ فأخسر ديني وآخرتي - لا قدر الله -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:

فإن هذا السؤال استمرار لمسلسل أسئلة الوسوسة التي ما زلت مسترسلًا معها, ونظن أنها لن تنتهي ما دمت مستسلمًا لتلك الوسوسة, مع أننا نصحناك مرارًا بالبعد عنها, وعدم الاسترسال والاستسلام لها, والذي يمكننا قوله لك الآن هو: إنه يكفيك أن تستنجي بالماء وتكتفي به عن الاستجمار, ويكفيك أن تستجمر بالمنديل وتكتفي به عن الماء, ويجوز لك الجمع بين الاستجمار والاستنجاء بالماء, فافعل ما تراه مناسبًا لقطع الوسوسة عنك, وأثر الاستجمار في محله يعتبر من النجاسة المعفو عنها, كما قال صاحب كشاف القناع: وَأَثَرُ الِاسْتِجْمَارِ نَجِسٌ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْمُرَادُ فِي مَحَلِّهِ, وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْمُسْتَجْمِرِ يَعْرَقُ فِي سَرَاوِيلِهِ: لَا بَأْسَ بِهِ. اهــ.

بل ذهب بعض العلماء إلى أنه طاهر لا نجس, وهذه إحدى الروايتين عن أحمد, كما قال صاحب الإنصاف: " وَعَنْهُ طَاهِرٌ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ, وَابْنُ رَزِينٍ" وقال ابن قدامة في المغني: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِجْمَارِ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ طَاهِرٌ .. اهــ.

فننصحك بالأخذ بهذا القول؛ لأنه أقطع لدابر الوسوسة عنك, وأما مجاوزة الخارج للمحل المعتاد, وما مقدار ذلك فإنهم يقدرونه في البول بنصف الحشفة أو أكثر, كما قال شيخ الإسلام في شرح العمدة: فإذا تعدت عن المخرج المعتاد خرجت عن حد الرخصة, فوجب غسلها كنجاسة سائر البدن, وحد ذلك أن ينتشر الغائط إلى نصف باطن الإلية فأكثر, وينتشر البول إلى نصف الحشفة فاكثر ... اهــ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني