الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يكلف أهل الجنة بعمل أو عبادة؟

السؤال

أرجو منكم أن ترسلوا لي الجواب على هذ السؤال: هل يعمل أهل الجنة في الجنة؟ وهل في الجنة عبادة؟ أرجو منكم الجواب الصريح بالدليل الصحيح، وشكرا على إجابتكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ندري ما مراد السائل بعمل أهل الجنة، فإن كان مراده التكسب، فهم في غنى عن هذا، ولا يكون شيء من ذلك إلا من باب اللذة والشهوة، قال تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الزخرف: 71}.

وقال سبحانه: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ { فصلت: 31}.

قال ابن كثير: أي: مهما طلبتم وجدتم، وحضر بين أيديكم كما اخترتم. اهـ.
ومن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحب أن أزرع، قال: فبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء.
وأما العبادة في الجنة، فليست هي بدار تكليف، وإنما هي دار جزاء وتكريم وتنعيم، وقد عقد ابن القيم في حادي الأرواح فصلا عن ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة، ذكر فيه ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتخمطون ولا يتغوطون ولا يبولون ويكون طعامهم ذلك جشاء ورشحا كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس.. أي تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون أنتم النفس. اهـ.
وقال الدكتور عمر الأشقر: الجنة دار جزاء وإنعام، لا دار تكليف واختبار، وقد يشكل على هذا ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في صفة أول زمرة تدخل الجنة، قال في آخره: يسبحون الله بكرة وعشياً ـ ولا إشكال في ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ لأن هذا ليس من باب التكليف، قال ابن حجر في شرحه للحديث: قال القرطبي: هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام! وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله: يُلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس ـ ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه، ولا بد منه، فجعل تنفسهم تسبيحاً، وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه، وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره، وقد قرر شيخ الإسلام أن هذا التسبيح والتكبير لون من ألوان النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة، قال: هذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني