الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من قدر على تغيير المنكر باليد واكتفى بإنكاره بالقلب

السؤال

ذكرتم في الفتوى رقم: (119382) ما نصه: "وأما أن يترك القادر على التغيير باليد المنكر باقيًا مستعليًا منتفشًا، ثم يحول رأسه إلى الجهة الأخرى، مكتفيًا بالإنكار بالقلب، فهذا صنيع بارد القلب الذي لم يستضئ بالإيمان قلبه، وهو مخالف لأمر الله، وآثم على كل حال" .
هل يعني: (كونه آثمًا) أنه رضي بالمنكر وارتكب الذنب؟ أم أن إنكاره بالقلب كسلًا, مع استطاعته الإنكار باليد صحيح, ولكن عليه فقط إثم التكاسل عن القيام بالواجب وهو الإنكار باليد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد قررنا في فتاوى سابقة أن تغيير المنكر باليد واجب على القادر المستطيع، وأنه لا يجزئ الاقتصار على الإنكار بالقلب, مع القدرة على التغيير باليد، وانظر بيان ذلك في الفتويين: 43762 / 124424.

وبناء على ذلك: فمن ترك هذا الواجب - وهو مستطيع للقيام به بشروطه - فهو آثم إثم من ترك واجبًا من غير عذر.

وعند العجز عن الإنكار باليد واللسان يتعين الإنكار بالقلب، ولكن الإنكار بالقلب لا يتم مع مخالطة أهل المنكر في منكرهم، ولو بالالتفات وإغضاء الطرف عنهم، وانظر صفة الإنكار بالقلب في الفتويين: 1048 / 62001.

وقد بينا في هاتين الفتويين أن إنكار القلب على مرتبتين: أولاهما: الإنكار بالقلب, ومفارقة المكان الذي فيه المنكر, والمرتبة الثانية: الإنكار بالقلب فقط عند العجز عن مفارقة المكان, فمن قدر على الأولى واكتفى بإنكار القلب فقط فهو آثم، قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {النساء:140}، قال القرطبي في تفسير هذه الآية: قوله تعالى: (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أي: غير الكفر. (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ), فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها, فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. وقد روي عن عمر بن عبد العزيز - رضى الله عنه - أنه أخذ قومًا يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم، فحمل عليه الأدب وقرأ هذه الآية: (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) أي: إن الرضا بالمعصية معصية، ولهذا يؤاخذ الفاعل, والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم, وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة، كما قال: فكل قرين بالمقارن يقتدي.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني