الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل في النجاسة المعفو عنها وغير المعفو عنها وتقديرها

السؤال

أرجو إجابتي على النقاط التالية بالتفصيل الممل، فإن الأمر شق علي كثيرا كثيرا وصلاتي في مهب الريح، بل وتديني كله، أولاً: إذا كنت أبول واقفا وسقطت قطرة بول على كرسي الحمام الافرنجي ثم ارتدت على ملابسي، فهل هي من اليسير المعفو عنه أم لا؟ وكم عدد القطرات المعفو عنها إن كان يعفى عنها؟.
ثانياً: إذا كنت أبول واقفا فهل إذا سقطت قطرة بول مباشرة أثناء التبول على ملابسي ـ البنطلون ـ أو على قدمي إن كنت لست مرتديا شيئاً ـ أي أصابت الجلد ـ فهل تعتبر من اليسير المعفو عن إزالته أم لا؟ وهل يعني هذا أن لا أفكر أنها ستنتقل إلى يدي إذا لمست مكان الإصابة أو ستننتقل للفراش إن ذهبت للنوم؟.
ثالثاً: هل إذا كنت أغسل يدي من نجاسة بعد الاستنجاء أو الاستجمار وارتدت من ماء الغسالة ـ قبل أن تطهر اليد ـ نقطة بقدر قطرة أو قطرتين على ملابسي أو جسدي يجب غسلها أم هي يسيرة يعفى عنها؟.
رابعا: ما المقصود بحجم الدرهم ـ المعفو عنه من النجاسة؟ أرجو التوضيح بالسانتي متر، وهل المقصود بالدرهم القطعة النقدية الحديدية في أيامنا هذه؟.
خامسا: إذا وجدت على ملابسي الداخلية المواجهة الفرج نقطة غائط صغيرة بحجم أقل من حجم الدرهم كعملة نقدية، فهل أتجاهلها أم أغسل ثيابي منها؟.
سادسا: إذا توضأت وبعد انتهائي من الوضوء ظننت أنني لم أغسل أحد الأعضاء كالرأس مثلا، فهل أعيد الوضوء، علما أنني لا أستطيع أن أغلب الظن فربما أكون قد نسيته فعلا وربما أكون قد مسحته؟.
سابعا: إذا أصابت ثوبي نجاسة ما فكيف لي أن أجزم أنها وصلت للثوب الداخلي الذي يليه أو إلى البدن مع أنني أنظر فلا أجد أثرا وربما هي فعلا وصلت لكنني لا أشاهدها بسبب لون الملابس مثلاً؟.
ثامنا: إذا حكمت على نجاسة ما بأنها يسيرة معفو عنها أو أنها لم تصبني أصلا وكانت الحقيقة خلاف ذلك، فهل يقبل الله صلاتي ويعذرني؟.
تاسعا: هل أسئلتي هذه طبيعية أم أنها وسوسة..
حبذا لو تختارون لي أيسر المذاهب المعتمدة والمعتبرة شرعاً واسم المفتي ودرجته العلمية.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمن الواضح أن الأخ السائل يعاني من وسوسة شديدة في أمر الطهارة والنجاسة! ومن كان هذا حاله فإنه -في الغالب- لا تكُفه الأجوبة الفقهية التفصيلية عن تلك الوساوس ومع هذا فإننا نجيبه عما سأل بشيء من الاختصار ثم ننصحه بنصيحة جامعة فنقول:
أولا: النجاسة المعفو عنها ما كانت يسيرة، ويرجع إلى العرف في الحكم عليها بكونها يسيرة أو كثيرة، فما عده الناس في عرفهم كثيرا فهو كثير، وما لا فهو يسير. وعند الشك في كون النجاسة يسيرة أو لا فإنه يحكم بكونها يسيرة معفو عنها حتى تتيقن أنها من الكثير الواجب إزالته, وانظر الفتوى رقم: 175591.

والقول بأنها نجاسة معفو عنها يعني أنك لو صليت بها فصلاتك صحيحة ولا يلزمك إعادتها، وأما هل هي مقبولة؟ فهذا من أمر الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وحتى من صلى طاهرا من النجاسة المعفو عنها لا يمكن الحكم على صلاته بأنها مقبولة أو مردودة، وإنما حسبنا الحكم عليها بأنها صحيحة أو باطلة, بهذا تعلم جواب الفقرة الأولى والثانية والثالثة والثامنة.
ثانيا: عند من قدر النجاسة المعفو عنها بقدر الدرهم فهو من حيث المساحة كالدائرة السوداء التي تكون في يد البغل، وقد اختلف القائلون به -كالمالكية- في تقديره، فمنهم من يقول هو قدر الأنملة العليا من الأصبع الخنصر أي الأصبع الصغير، أي قدر رأس هذه الأصبع، ومنهم من يقول قدر هذه الأصبع لو طويت، ومنهم من يقول هو قدر فم الجرح.
ثالثا: إذا وجدت نجاسة يسيرة فالأحوط لك أن تغسلها ما دمت رأيتها وعلمت مكانها مراعاة لقول من يقول بعدم العفو عن النجاسة ولو يسيرة، وانظر الفتويين رقم: 134899،ورقم: 181305.
رابعا: إذا شككت بعد انتهاء الوضوء في غسل عضو من الأعضاء فلا تلتفت لذلك الشك ولا يلزمك إعادة الوضوء, قال ابن قدامة في المغني: إنْ شَكَّ فِي غَسْلِ عُضْوٍ أَوْ مَسْحِ رَأْسِهِ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَهْمًا؛ كَالْوَسْوَاسِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَإِنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّهَارَةِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى شَكِّهِ، لِأَنَّهُ شَكَّ فِي الْعِبَادَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا... اهــ.
خامسا: إذا أصابت نجاسة ظاهر ثيابك وشككت في كونها وصلت إلى الملابس الداخلية فإنه لا عبرة بذلك الشك، والأصل طهارة الملابس الداخلية فلا يزول هذا الأصل بمجرد الشك.
واعلم ـ أخي السائل ـ أخيرا أن من طرق علاج الموسوس في أمور الطهارة والنجاسة عدم ذكر التفريعات الفقهية، لأنها قد تزيده وسوسة وهذا هو السبب في عدم الإجابة عن سؤالك بالتفصيل الممل كما طلبت. وقد علمنا بالتجربة أن الاسترسال مع الموسوس وإجابته في كل ما يسأل عنه لا يكاد ينتهي ولا يزيده إلا وسوسة، ولا سيما إذا كانت الإشكالات التي عنده تخالف ما اتفق عليه العقلاء، فإذا لم تكف عن الوسوسة وتعرض عنها بالكلية فإننا نكاد نجزم أنك ستستمر في أسئلتك ولن يكون سؤالك هذا هو الأخير، ولن يشفيك من تلك الوسوسة ولو أجبناك عن كل ما تسأل عنه، فاتق الله أيها السائل ولا تسترسل وتسلم قيادك لوساوس الشيطان فإنه يستدرجك بتلك الوساوس إلى استثقال العبادة ومن ثم تركها بالكلية.
وأما عن سؤالك بخصوص اسم المفتي ودرجته العلمية: فنعلمك بأنه تقوم على الفتوى لجنة شرعية متخصصة ذكرنا آلية عملها ومنهجها في الفتوى رقم: 1122، فراجعها.

وراجع هذا الرابط في موقعنا ففيه ما يتعلق بآلية الإفتاء وفريق الفتوى:https://www.islamweb.net/ar/article/13045
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني