الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المداومة على قيام الليل كله والقراءة من المصحف

السؤال

هل يجوز قيام الليل كله كل يوم بالمصحف؟ أم إن ذلك مخالف للسنة؛ لأني قرأت مرة حديثا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول: من قام بألف آية كتب من المقنطرين. أم أقوم الليل على حسب حفظي من القرآن، وفي الوقت المتبقي أبدأ بحفظ سور من القرآن أكثر وأستفيد أكثر ؟؟
ما رأيكم جزاكم الله خيراً؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن كنت تقصد بقيام الليل كله، قيام الليلةِ من أولها إلى آخرها، فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى كراهة قيام الليل كله؛ وذلك لما رواه مسلم في صحيحه من حديث عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ الْحَوْلَاءَ بِنْتَ تُوَيْتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مَرَّتْ بِهَا، وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: هَذِهِ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَنَامُ اللَّيْلَ ؟ ! خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَمُ اللَّهُ حَتَّى تَسْأَمُوا. اهــ.

قال النووي في شرح مسلم: أَرَادَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ( لَا تَنَام اللَّيْل ) الْإِنْكَار عَلَيْهَا، وَكَرَاهَة فِعْلهَا، وَتَشْدِيدهَا عَلَى نَفْسهَا، وَيُوَضِّحهُ أَنَّ فِي مُوَطَّأ مَالِك قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيث: وَكَرِهَ ذَلِكَ حَتَّى عُرِفَتْ الْكَرَاهَةُ فِي وَجْهه. وَفِي هَذَا دَلِيل لِمَذْهَبِنَا، وَمَذْهَب جَمَاعَة أَوْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ صَلَاة جَمِيع اللَّيْل مَكْرُوهَة، وَعَنْ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف أَنَّهُ لَا بَأْس بِهِ، وَهُوَ رِوَايَة عَنْ مَالِك إِذَا لَمْ يَنَمْ عَنْ الصُّبْح. اهـ.
وثواب المقنطرين يمكن تحصيله بقيام جزء من الليل لا الليل كله, فلو قرأت في قيام الليل من سورة الملك إلى سورة الناس، فهذان جزءان وهما ألف آية، وتنال بإذن الله ثواب المقنطرين.

جاء في مرقاة المفاتيح لمُلا القاري رحمه الله: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: مِنَ الْمُلْكِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ أَلْفُ آيَةٍ . اهــ.
وأما قراءتك من المصحف في قيام الليل، فالقراءة من المصحف في الصلاة مختلف فيها، وقد أجازها الشافعية، والحنابلة في الفريضة والنافلة، وكرهها المالكية، ومنع منها الحنفية على ما بيناه في الفتوى رقم: 6019. والراجح أنه لا حرج فيها إن شاء الله تعالى لا سيما في النافلة عند الحاجة، كأن يكون المصلي قليل الحفظ ويرغب في إطالة الصلاة؛ و في سنن البيهقي عن عائشة رضي الله عنها: أنها كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف في رمضان. وذكره البخاري تعليقاً.

قال الإمام أحمد: لا بأس أن يصلي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف، قيل له الفريضة؟ قال: لم أسمع فيه شيئا. اهــ.

فننصح الأخ السائل بأن يقوم من الليل ما يمكنه من غير أن يجهد نفسه ويرهقها، فإنه قد ينقطع عن قيام الليل بسبب ذلك, فأحي من الليل ما تيسر سواء بالصلاة، أو الحفظ، أو الذكر، ثم نم حتى تستريح وتنشط لصلاة الفجر, وفي الحديث الصحيح: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ . اهـ. متفق عليه .

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني