الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيان مورد الذم فيمن يأمر بالمعروف ولا يأتيه وينهى عن المنكر ويقترفه

السؤال

كنت على معاص وتركت الكثير منها وأطلقت اللحية وبقي لي معصيتان ـ العادة السرية واختلاطي بالبنات ـ وكانت لي صاحبة كنت أجالسها وألمس جسدها، وكنت أتوب إلى الله بمجرد فعلي لأي من هذين الذنبين توبة صادقة، ولا ألبث أن أعود إلى الذنب، وشكلي شكل الملتزم وكانت لي هذه المعاصي المذكوره، وعندما كان يسألني أحد أصحابي عن حرمة العادة السرية أقول إنها حرام، فهل ينطبق علي قول الله تعالى: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ـ وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: يلقى الرجل في النار يجر أمعاءه فيقولون له إنك كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر، فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا أتيه، وكنت أنهاكم عن المنكر وآتيه؟ كنت أريد أن أقول لهم إنني أقوم بهذه العادة فخفت أن أفتنهم، كما أردت أن أستر على نفسي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما عن لبّ سؤالك وهو أنك تأمر بالمعروف ولا تفعله: فالصحيح أن فعل المعروف واجب، والأمر به واجب آخر، فلا يسقط واحد منها بترك الثاني، قال ابن كثير في تفسيره: فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر، على أصح قولي العلماء من السلف والخلف، وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه.

وأما الآية والحديث اللذين ذكرتهما: فقد قال أهل التفسير أن مورد الذم فيهما ليس على أن العاصي أمر بالمعروف، بل لأنه وقع في المنكر وهو يعلم أنه منكر، وفي هذا المعنى يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ تعالى في تفسيره: والغرض أن الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع، ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من أمرهم به ولا يتخلف عنهم. اهـ.

ويقول أيضا: لكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية، لعلمه بها مخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم. اهـ.

وراجع الفتوى رقم: 201949.

ومن جملة ما تقدم نقول لك: أما عن اندارجك في مدلول الآية والحديث: فهمان نصان عامان يُخشى على من شمله مدلولهما أن يقع عليه وعيدهما إن لم يتجاوز الله تعالى عنه، وأما عن أمرك بالمعروف: فهو واجب ولو كنت لا تفعله.

وأما أن تفصح لمن تنهاه عن ذنبك: فذلك ذنب آخر، بل الستر على النفس واجب.

ثم إننا نوصيك بالمبادرة إلى التوبة من هاتين المعصيتين والتعجيل بذلك قبل أن يفوت الأوان، فاستشعر مراقبة الله عز وجل في كلّ حال، وإياك ومقارفة الذنوب في الخلوة، فإن أثر ذلك على العبد وخيم، قال في صيد الخاطر: والحذر الحذر من الذنوب، خصوصا ذنوب الخلوات، فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني