الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام الماء المنفصل من غسل النجاسة

السؤال

قد قرأت قاعدة الطهارة التي قمتم بذكرها - بارك الله فيكم - والتي تنص على أن ما انفصل عن نجاسة قبل طهارة المحل فهو نجس, وإن كان غير متغير, وبناء على هذه القاعدة هل يعد الماء المنفصل عن مكان نزول الحيض نجسًا وإن كان غير متغير بلون دم؟ فبعد الاستنجاء أو الاستحمام قد تتعرض المنطقة لبلل, ومن ثم يصعب الاحتراز عن الإصابة بالماء المنفصل عنه, وستصيب الجسم والأرض, وكنتم قد أفتيتم في إحدى الفتاوى أنه يجوز للمرأة استعمال المنشفة التي استخدمتها أيام حيضها في غير أيام الحيض, فهل هذا يدل على أن الماء المنفصل عن محل نزول الدم طاهر إن كان غير متغير به؟ وماذا يفعل صاحب السلس والمبتلى بنزول قطرات البول؟ هل تنطبق عليهم هذه القاعدة الفقهية: (ما انفصل عن نجاسة قبل طهارة المحل نجس, وإن كان غير متغير)؟ فلو انطبقت فهذا يعني تنجس الجسم, والأرض, والمنشفة المستخدمة في التجفيف, وما لامسها من رطب, وكذلك الملابس, وفي هذا مشقة كبيرة, فكيف يصنع حيال ذلك؟ وماذا تفعل الحائض - جزاكم الله خيرًا, وأنار دربكم -؟ أوضحوا لي ما أشكل عليّ والتبس.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الأمر لا يخلو من أن يكون في مكان نزول الحيض دم، فحينئذ ما انفصل عنه متغيرًا أو غير متغير قبل طهارة المحل فهو نجس في الحالين.

وأما إن لم يكن في مكان نزول الحيض دم فالماء المنفصل عنه ليس بنجس؛ لعدم ملاقاته للنجاسة.
قال ابن قدامة - رحمه الله - في المغني: وَالْمُنْفَصِلُ مِنْ غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ، يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَنْفَصِلَ مُتَغَيِّرًا بِهَا، فَهُوَ نَجِسٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مُتَغَيِّرٌ بِالنَّجَاسَةِ، فَكَانَ نَجِسًا، كَمَا لَوْ وَرَدَتْ عَلَيْهِ.

الثَّانِي: أَنْ يَنْفَصِلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ قَبْلَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ، فَهُوَ نَجِسٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ يَسِيرٌ لَاقَى نَجَاسَةً لَمْ يُطَهِّرْهَا، فَكَانَ نَجِسًا، كَالْمُتَغَيِّرِ، وَكَالْبَاقِي فِي الْمَحَلِّ، فَإِنَّ الْبَاقِيَ فِي الْمَحَلِّ نَجِسٌ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي غُسِلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ، وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي الْمَحَلِّ نَجِسًا، وَعَصْرُهُ لَا يَجْعَلُهُ طَاهِرًا.

الثَّالِثُ: أَنْ يَنْفَصِلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ مِنْ الْغَسْلَةِ الَّتِي طَهَّرَتْ الْمَحَلَّ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ, وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمُتَّصِلِ، وَالْمُتَّصِلُ طَاهِرٌ، فَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ، وَلِأَنَّهُ مَاءٌ أَزَالَ حُكْمَ النَّجَاسَةِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا، فَكَانَ طَاهِرًا، كَالْمُنْفَصِلِ مِنْ الْأَرْضِ. انتهى.

والحائض إذا استمر عليها نزول الدم فإنه يمكنها تفادي انتشاره بوضع حفاظة - مثلًا - تمنع تساقط الدم, ثم تغسل ما أصابه بعدُ.

وكذلك المبتلى بالسلس إذا استمر تقاطر البول منه فيمكنه وضع شيء يمنع انتشار تلك القطرات, ثم يغسل ما أصابه البول، وليس في ذلك مشقة.
ولا يعني جواز استعمال منشفة الحائض أن الماء المنفصل عن دمها طاهر إن كان غير متغير، وإنما يعني أنه يجوز استعمال منشفة الحائض؛ لأن بدنها طاهر، فإذا لم تستعمل المنشفة في تنشيف النجاسة فإنها تبقى طاهرة على الأصل.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 101356، 141158، 189173.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني