الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إرغام الزوج زوجته على السفر والإقامة مع أهله

السؤال

أود أن أعرف حكم السفر مع أهل الزوج؟ وهل يلحقني إثم في الرفض؟ فزوجي يجبرني على ذلك, وأنا في همٍّ - الله وحده به عليم - فأهله عشرتهم سيئة, وكم لحقني الأذى منهم, ولا أقول إلا: حسبي الله ونعم الوكيل, وبمشاكلهم أصابتني الأمراض, ولا زال زوجي مطاوعًا أهله, ضاغطًا على نفسيتي, وواللهِ لقد كرهت العيش معه, وما هذا الشعور إلا تراكمات لأفعاله, أرجو أن أجد لسؤالي جوابًا وحلًا لحالتي مع زوجي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر أن الأخت السائلة تعني بالسفر مع أهل الزوج، أن تسافر للإقامة مع زوجها في بلد أهله، فإن كان هذا هو المراد، فقد نص أهل العلم على وجوب طاعة الزوجة زوجها في السفر حيث يريد، بشرط أمن هذا البلد، وأمن الطريق إليه، وعدم الانقطاع عن أهلها, فلا يحق للزوجة عندئذ الامتناع من الانتقال حيث يقيم زوجها، ما لم تكن قد اشترطت ذلك في العقد، وراجعي في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 79665، 72117، 27252.
وفي الوقت نفسه، فإن للزوجة الحق في سكن مستقل المرافق عن أهل زوجها، ولا يحق له إجبارها على مساكنة أحد من أهله إلا برضاها, وراجعي في ذلك الفتويين: 169165، 183889.
وعلى ذلك، فإن كان الزوج سيوفر للزوجة مسكنًا مستقل المرافق في بلد أهله، بحيث لا تتأذى بمساكنتهم، فليس لها الامتناع من السفر, وأما إن كان سيرغمها على مساكنتهم في دار ليس لها فيها مسكن مستقل المرافق، وهي تتضرر بذلك، فلها الامتناع حتى يوفر لها سكنًا مستقلًا، وراجعي الفتوى رقم: 114877.

وأما بالنسبة للخلافات مع أهل الزوج، فنوصيك بالصبر عليهم، والحلم والرفق بهم، والسعي في إصلاح العلاقة معهم، ومدافعة إساءتهم بالإحسان، فإن ذلك من الأعمال الجليلة والقربات العظيمة، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) {فصلت} قال ابن كثير: وَقَوْلُهُ: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} أَيْ: فَرْقٌ عَظِيمٌ بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أَيْ: مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ فَادْفَعْهُ عَنْكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا عَاقَبْتَ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيكَ بِمِثْلِ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ, وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وَهُوَ الصَّدِيقُ، أَيْ: إِذَا أَحْسَنْتَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ قَادَتْهُ تِلْكَ الْحَسَنَةُ إِلَيْهِ إِلَى مُصَافَاتِكَ وَمَحَبَّتِكَ، وَالْحُنُوِّ عَلَيْكَ؛ حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ لَكَ حَمِيمٌ أَيْ: قَرِيبٌ إِلَيْكَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَيْكَ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْكَ. ثُمَّ قَالَ: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا} أَيْ: وَمَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ وَيَعْمَلُ بِهَا إِلَّا مَنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} أَيْ: ذُو نَصِيبٍ وَافِرٍ مِنَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى, قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَالْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ، وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ .. اهـ.

وراجعي للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 50300، 36349، 50453، 205309، 94699، 12167.

وننصحك بقراءة كتاب الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للشيخ عبد الرحمن السعدي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني