الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إذا تدلى شعر الرأس إلى الوجه فهل يعتبر حائلًا؟ وأقسام شعر الرأس

السؤال

عندما أغسل وجهي في الوضوء يتدلى أحيانًا بعض الشعر من رأسي ويصيب وجهي، فهل يعتبر حائلًا؟ أم أنه يجوز غسله ـ أي الشعر ـ لأنه في محل الفرض؟ و قد وجدت في الفتوى رقم: 179873، أنه يجزئ مسح الشعر الذي يغطي منطقة البياض بين الرأس والأذنين، وهناك شيء غامض ومحير لا أفهمه، ونصه من تلك الفتوى: "قال في كشاف القناع: والبياض فوقهما ـ أي فوق الأذنين ـ دون الشعر منه ـ أي من الرأس أيضًا ـ قال في الإنصاف: على الصحيح من المذهب ـ وفيه أيضًا: وإن نزل الشعر عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض فمسح عليه أجزأه ولو كان الذي تحت النازل محلوقًا، كما لو كان بعض شعره فوق بعضه ـ انتهى. فما معنى أن ينزل الشعر عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض؟ كما أرجو توضيح الفقرة الأولى أيضًا، وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإذا وصل الماء أثناء غسل الوجه إلى ما تحت الشعر المتدلي على الجبهة، فإن الوضوء صحيح, ولا يلزم غسل تلك الشعرات المتدلية, وإذا لم يصل الماء إلى ما تحت الشعر المتدلي على الجبهة لم يصح الوضوء, فالعبرة بوصول الماء إلى كل الوجه, ولا نخفيك ـ أخي السائل ـ أننا نرى أن سؤالك هذا هو استمرار لمسلسل الوسوسة التي تعاني منها, وكثير من أسئلتك السابقة تدل على أنك موسوس، فننصحك بأن تتيقن من غسل كل الوجه في الوضوء, وأن تعرض بعدها عن الوسوسة والشك في صحته.

والكلام الأول الذي نقلته عن كشاف القناع واضح لا إشكال فيه، ومعناه أن البياض الذي بين الأذن وبين الشعر ـ من جهة الأذن ـ أنه من الرأس يجب مسحه مع الرأس، فقد قال في تمام كلامه: وَالْبَيَاضُ فَوْقَهُمَا ـ أَيْ فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ ـ دُونَ الشَّعْرِ مِنْهُ أَيْ: مِنْ الرَّأْسِ أَيْضًا، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَيَجِبُ مَسْحُهُ مَعَ الرَّأْسِ... اهـ.

وأما الفقرة الثانية: فإننا نوضحها بشيء من السهولة في العبارة فنقول: إن الشعرة في الرأس لها ثلاث حالات:
الأولى: أن لا يتعدى طول الشعرة المكان التي نبتت فيه، فهذه شعرة لم تنزل عن منبتها.

الثانية: أن تتعدى الشعرة المكان الذي نبتت فيه وتطول وتنزل عنه، لكنها لا تتعدى حدود الرأس ـ وهو ما عبر عنه بمحل الفرض أي: الذي يجب مسحه ـ فلا تنزل مثلًا إلى الكتفين, كالشعرة التي في قمة الرأس أعلاه، فإنها قد تطول وتنزل على جانبيه من غير أن تتعدى الرأس, وقد يكون المكان الذي غطته محلوقًا ليس فيه شعر.

الثالثة: أن تتعدى منبتها وتتعدى حدود الرأس فتطول وتتدلى حتى تنزل على الكتفين مثلًا.
فالأولى والثانية تُمسح؛ لأنها من الرأس ولم تتعداه.

وأما الثالثة: فلا يجب مسحها, ولا يجوز الاقتصار على مسحها؛ لأنها تعدت الرأس وخرجت عن حدوده, فإذا تصورت هذا فاقرأ الآن كلامه كاملًا حيث قال: وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَا نَزَلَ عَنْ الرَّأْسِ مِنْ الشَّعْرِ؛ لِعَدَمِ مُشَارَكَتِهِ الرَّأْسَ فِي التَّرَؤُّسِ، وَلَا يُجْزِئُ مَسْحُهُ عَنْ الرَّأْسِ، سَوَاءٌ رَدَّهُ فَعَقَدَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ، أَوْ لَمْ يَرُدَّهُ ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ وَإِنْ نَزَلَ الشَّعْرُ عَنْ مَنْبَتِهِ وَلَمْ يَنْزِلْ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِ، أَجْزَأَهُ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي تَحْتَ النَّازِلِ مَحْلُوقًا، كَمَا لَوْ كَانَ بَعْضُ شَعْرِهِ فَوْقَ بَعْضِهِ. اهــ.

ومثله قول ابن قدامة في المغني: وَإِنْ نَزَلَ شَعْرُهُ عَنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ، فَمَسَحَ عَلَى النَّازِلِ مِنْ مَنَابِتِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا، وَلَوْ رَدَّ هَذَا النَّازِلَ وَعَقَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَازِلٌ رَدَّهُ إلَى أَعْلَاهُ، وَلَوْ نَزَلَ عَنْ مَنْبَتِهِ وَلَمْ يَنْزِلْ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَمَسَحَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ شَعْرٌ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَأَشْبَهَ الْقَائِمَ عَلَى مَحَلِّهِ، وَلِأَنَّ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ ذِي شَعْرٍ. اهـ.

وبهذا نرجوا أن يكون قد اتضح لك المعنى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني