الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تمني الإنسان عدم رؤية أهله في الجنة لإساءتهم إليه في الدنيا

السؤال

عانيت كثيرا من أهلي كلهم، ولا أريدهم في الآخرة، وأتمنى أن ندخل كلنا الجنة، لكنني لا أريد أبدا رؤيتهم في الآخرة ولا حتى زيارة، فهل هذا ممكن؟ وحتى لو أزال الله الحقد من قلوبنا، فهل يمكنني الطلب من الله أن يرزقني عائلة غيرها؟ أم سيظلون للأسف عائلتي إلى الأبد كما تظل المرأة لزوجها في الدنيا والآخرة؟.
أرجو إفادتي ولكم الأجر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننصحك أولا بأن لا تستسلمي لمشاعر الكراهية نحو أهلك، وأن تنظري إلى الجوانب الطيبة في أخلاقهم وتحرصي في تعاملك معهم على إلانة الكلام وحسن الفعال، فإنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ { فصلت: 34}.

فإذا كان ذلك مع بعض الأعداء فكيف بالأهل والوالدين اللذين هما أرحم الناس بولدهما! ثم اعلمي أن أهل الجنة متحابون فيها، ولا تباغض بينهم، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض. متفق عليه.

وقال ابن سعدي: وهذا من كرمه وإحسانه على أهل الجنة، أن الغل الذي كان موجودا في قلوبهم، والتنافس الذي بينهم، أن الله يقلعه ويزيله حتى يكونوا إخوانا متحابين، وأخلاء متصافين، قال تعالى: وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ـ ويخلق الله لهم من الكرامة ما به يحصل لكل واحد منهم الغبطة والسرور، ويرى أنه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيم، فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض، لأنه قد فقدت أسبابه. اهـ.

واعلمي كذلك أن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، وإذا كان الله تعالى قد امتن على أهل الجنة أن ألحق الذرية بالآباء في الجنة، وأن ذلك من تمام النعمة عليهم، فكيف بك وأنت تتمنين وترغبين في سؤال الله تعالى خلاف نعمته، قال الله جل وعلا: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين {الطور:21}.
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية: يخبر تعالى عن فضله وكرمه وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه، أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم بالإيمان، يلحقهم بآبائهم في المنزلة، وإن لم يبلغوا عملهم لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته للتساوي بينه وبين ذاك. انتهى.

ونقل ابن كثير في تفسيره عن الطبراني حديثاً مرفوعاً قال: إذا دخل الرجل الجنة سأل الرجل عن أبويه وزوجته وولده فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك، فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به.

ثم إن هذه الصفات الذميمة التي يتصف بها بعض أهلك سيبدلها الله تعالى بصفات حميدة إذا دخلتم الجنة، وينزع الله ما في صدوركم من غل فتكونون إخوانا على سرر متقابلين، كما قال سبحانه: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين {الحجر:47}.

وفي الحديث: وَأبدلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأهْلاً خَيراً مِنْ أهْلِهِ.

قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: وقال الشامي: المراد بالإبدال في الأهل والزوجة إبدال الأوصاف لا الذوات، لقوله: ألحقنا بهم ذريتهم {الطور:21}.

وأما سؤالك أن يرزقك الله بعائلة أخرى: فهذا من الاعتداء في الدعاء الذي لا يجوز، إذ معنى ذلك أنك تسألين الله أن يرزقك أبا وأما غيرهما، وهذا محال، مع ما فيه من سوء الأدب المنافي لبرهما، وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 132234، ورقم: 30004.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني