الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أخي الغالي سؤالي يمكن أن يكون غريبا.
يوجد في جوار بيتنا أربعه جراء مع أمهن ـ كلاب يعني ـ وبصراحة أريد أن أستفيد منهن وأبيعهن.
ما هو حكم حرمانهن من الكلبة أمهن، فأنا أخاف أن أقع في الذنب والإثم؟
في انتظار ردكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن بيع الكلاب محرم مطلقا عند جماهير العلماء.

جاء في المغني لابن قدامة: لا يختلف المذهب في أن بيع الكلب باطل، أي كلب كان. وبه قال الحسن، وربيعة، وحماد، والأوزاعي، والشافعي، وداود. وكره أبو هريرة ثمن الكلب. ورخص في ثمن كلب الصيد خاصة جابر بن عبد الله، وعطاء، والنخعي. وجوز أبو حنيفة بيع الكلاب كلها، وأخذ ثمنها، وعنه رواية في الكلب العقور، أنه لا يجوز بيعه. واختلف أصحاب مالك، فمنهم من قال: لا يجوز. ومنهم من قال: الكلب المأذون في إمساكه، يجوز بيعه، ويكره. واحتج من أجاز بيعه بما روي عن جابر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن ثمن الكلب والسنور، إلا كلب الصيد» . ولأنه يباح الانتفاع به، ويصح نقل اليد فيه، والوصية به، فصح بيعه، كالحمار. ولنا، ما روى أبو مسعود الأنصاري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن» . متفق عليه. وعن رافع بن خديج قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث». متفق عليهما. وروي عن ابن عباس أنه قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب، فإن جاء يطلبه فاملئوا كفه ترابا» . رواه أبو داود. ولأنه حيوان نهي عن اقتنائه في غير حال الحاجة إليه، أشبه الخنزير، أو حيوان نجس العين، أشبه الخنزير. فأما حديثهم، فقال أحمد: هذا من الحسن بن أبي جعفر، وهو ضعيف. وقال الدارقطني: الصحيح أنه موقوف على جابر، وقال الترمذي: لا يصح إسناد هذا الحديث. وقد روي عن أبي هريرة، ولا يصح أيضا. ويحتمل أنه أراد: ولا كلب صيد، وقد جاءت اللغة بمثل ذلك، قال الشاعر:

وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان

أي والفرقدان. ثم هذا الحديث حجة على من أباح بيع غير كلب الصيد. اهـ.

وكذلك يحرم اقتناء الكلاب وتربيتها، إلا لحاجة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من اقتنى كلبا، إلا كلب ماشية، أو ضاريا، نقص من عمله كل يوم قيراطان. أخرجه البخاري ومسلم. وانظر مزيد بيان في الفتوى رقم: 23541.

فالإثم والحوب إنما هو في بيع الكلاب أو اقتنائها لغير حاجة، وليس الإثم في مجرد التفريق بين الجراء وأمهن، فإن التفريق بين صغار الحيوانات التي يحل اقتناؤها وبين أمهن ليس بمحرم. وأما حديث عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. أخرجه أبو داود.

قال النووي في رياض الصالحين: إسناده صحيح. فهو محمول على الاستحباب.

جاء في مرقاة المفاتيح للقاري: (ردوا ولدها إليها) الأمر للندب; لأن اصطياد فرخ الطائر جائز .اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني