الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس لأهل البنت إجبارها على البقاء مع زوج لا ترغب فيه

السؤال

أنا فتاة أبلغ من العمر 39 عاما، منذ صغري أقوم بالذنوب من عقوق، وسرقة، وكذب، وغيبة، ونميمة. أفتعل المشاكل مع أهلي، لا أعرف السبب. كبرت، كنت متفوقة في دراستي، أكملت الثانوية، وكانت دراستي الجامعية في الأردن. سكنت في بيت عمي، عانيت معهم، وانتقلت للسكن الداخلي، لم أعد قادرة على الدراسة والتفوق، ولا أعرف لماذا؟ كنت مُهملة من الأهل والأقارب، واستمرت الذنوب. وتخرجت بعد ست سنوات، ورجعت إلى أهلي أعمل في وظيفة حكومية، ولا زالت أموري ممتازة في التعامل مع زميلاتي، والكل يشهد بأني إنسانة محترمة، عاقلة، على خلق، وهو فعلا ما يراه مني كل الناس إلا أهلي.
عام 2006 أديت فريضة الحج مع أهلي، وحاولت السعي لتكفير ذنوبي، وتبت عن معظمها ولا زلت أحاول، ولكن هناك ما كُسر بيني وبينهم، ويبدو أنه لا يمكن إصلاحه. وتزوجت أختي الأصغر مني، وهذا سبب لي عقدة أيضا. حاولت تجاوزها بالتجائي للدين، والحمد لله بدأت بحفظ القرآن، وصلاة القيام، وصوم النوافل، وأداء العمرة مع أهلي وأخواتي. ومنذ سنين بدأت في الاستغفار عما مضى، ومحاولة إصلاحه مع أهلي، ولكن لا فائدة، هناك شيء بيني وبينهم لا أعرف كيف أغيره. وكنت أدعو الله أن يرزقني بزوج متدين، كريم الخلق، وله أطفال أيتام وهذا نص دعائي. وأخيرا جاء العريس، رجل أرمل، يكبرني ب 14 عاما، لديه 6 من الأبناء أكبرهم 24 سنة، وأصغرهم 12 سنة، وأدى فريضة الحج، موظف حكومي، والكل يشهد له أنه خلوق، ومحترم، وقلت لقد رضي الله عني أخيرا، وبعث لي ما أتمنى. استشرت واستخرت، وتم الموضوع، واستمرت الخطبة 4 أشهر وهو يصور نفسه ملاكا، وفيه كل ما أتمنى. طلبت منه أن يبني لي غرفتين بمطبخ على سطح المنزل للخصوصية، راوغ وقام ببناء غرفة مع حمام فقط، ووعد بأنه في حال شعرت بعدم الراحة سيضيف باقي البناء، وكان يعطيني دروسا في العشرة الزوجية والتفاهم، وقبل الزواج بأسبوعين قال بأنه تكلف كثيرا في البناء وعليه ديون، ولا يستطيع أن يعطيني شيئا من مهري. فتنازلت وسامحته بكل حقوقي، ولم أكلفه شيئا سوى خاتم خطوبة، ونيتي والله الخير وتيسير أمور النكاح للبركة، وتم الزواج ومن أول يوم اكتشفت الود والعشرة معه، لا يراعي حقي أبدا في الاستمتاع معه، يحب الجماع كثيرا، ويطلبه في كل وقت، وأنا لا أمانع أبدا تجنبا للحرام بالإضافة إلى ذلك أحس أنه لا يرغب في الحمل، ويقوم بقذف السائل علي، وقال إنه لا يستطيع تحمل ولد مريض يأتيه مني؛ لأني أتناول أدوية للروماتيزم، مع العلم أن الأطباء أكدوا أنه لا مشكلة في ذلك، لا يسأل عن أكلي إلا ما ندر. أبناؤه يرفضوني، والله لم تصدر مني أي إساءة لهم طول الفترة وهم أيتام. ولا آخذ راحتي أبدا حتى في الأكل، وعندما راجعته لتنفيذ ما وعدني به قال: (أتراجع عن كل ما قلته، وأنا حر وافعلي ما تشائين) بدأ يطلب مساعدة مالية مني لسداد الديون، ولقد فهمته بعد فوات الأوان. حاولت اللجوء لأهلي، ولكن حانت لهم فرصة تصفية الحساب عن كل ما بدر مني، ولا أسمع منهم سوى جزاء كل ما فعلتيه، وتستحقين المزيد. طلبت منهم الغفران والصفح، ولكن لا مجال، قلت إني أستغفر باستمرار حتى قبل ما حدث، حجتهم لا يقبل استغفاري لكثرة ذنوبي. بدأ الشتاء والغرفة غير مفروشة، ويرفض هو ذلك، لا يوجد ماء ساخن للاستحمام، وطلبت منه أن أساعده لسداد ديونه وأوفر باقي راتبي لإكمال بناء غرفة، ومطبخ مستقل، فرفض ثم جاء يطلب مني راتبي دون خجل، فرفضت. وإذا كانت هناك مشكلة في عملي سأتركه، فرفض، وبدأ بعدها الماء ينزل من سقف الغرفة. وطلبت منه أن أذهب لبيت أهلي، وأوصلني هو بعد 4 أشهر زواج. أهلي رفضوني، والكل يرفض التحدث معي، ويريدون إرجاعي لزوجي وأنا أرفض، وأكرهه، ولا أريد العيش معه. أرجوكم هل ذلك حرام أيضا؟ لا أطيق حتى التفكير بالرجوع، وأهلي سيعيدونني رغما عني. ماذا أفعل هل أترك العبادة، والاستغفار لأن الله لن يقبلني لكثرة ذنوبي وهي حجة أهلي؟ هل أعود لزوجي وأعطيه ما يريد من النقود وأتحمل ظلمه؛ لأن هذا عقابي من الله، وأستحق أسوأ من هذا الإنسان حسب كلام أهلي. والله لقد تبت، وأستغفر دائما، وبدأ اليأس عندي، ضائعة، أتمنى الموت في كل وقت.
ذهبت لزوجي للتفاهم معه، واشترط نقودي للأبد بحجة أن الحياة شراكة. وافقت، ولكن قلت له سأساعدك بسداد ديونك، ودفع كل راتبي، لكن مقابل مطبخ مستقل، رفض. ورجعت لأهلي، وهم يرفضون. لم أعد أستطيع الحياة معه، لا أطيق سماع اسمه. فهل أأثم في ذلك؟ والله عرضت عليه كل الحلول وهو يرفض، وتنازلت عن كل شيء منذ البداية. فهل هذا جزائي؟ وأهلي يعيرونني؛ لأني قمت بالتنازل عن المهر به دون مشاورتهم. فهل أنا مذنبة؛ لأنه تكلف بالبناء لي، مع تنازلي عن مهري. فهل ظلمته أو ظلمت أبناءه حقا؟ وهل طلبي للطلاق منه حرام؟ وماذا أفعل مع أهلي كيف أتعامل معهم وهم يرفضون طلاقي، ويقولون هذا جزائي وعلي أن أقبل به؟ وهل لا يقبل استغفاري وتوبتي، وقد طلبت منهم المغفرة وهم يرفضون مسامحتي، ويقولون إني أستحق ما أنا فيه، ولا فائدة من استغفاري؟ أرجوكم ماذا أفعل؟ أنا محبطة، وضائعة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يتولى أمرك، وأن يكشف ضرك، وأن يزيل همك، واعلمي أن الله سبحانه أرحم بالعبد من نفسه، وكل ما يقضيه الله لعبده المؤمن فهو خير له؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له. أخرجه مسلم. والعبد قد تكون له منزلة عظيمة عند الله لا يبلغها إلا بالمصائب التي تنزل بساحته؛ جاء في الحديث: إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى. أخرجه أبو داود وصححه الألباني. بل إن المصائب قد تكون أمارة على إرادة الله الخير بالعبد، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري: من يرد الله به خيرا، يصب منه.

والزعم بأن الله لا يقبل توبتك، واستغفارك، هو من الكذب على الله، والتألي عليه سبحانه، فالله عز وجل أكرم من أن يرد تائبا صادقا، فالله عز وجل من أسمائه التواب، هو يحب التائبين، ويفرح بعبد تاب إليه، والعبد إذا تاب فإن الله يغفر له ذنبه مهما كان عظيما؛ قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}. بل إن الله بفضله وكرمه يبدل سيئات التائبين حسنات، كما قال سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70} فعليك أن تحسني ظنك بالله، وأن تتضرعي إليه سبحانه أن يمن عليك بتوبة نصوح، والزمي الاستغفار، واضرعي إلى الله سبحانه أن يكشف عنك ضرك، وإن كان لأهلك حق عليك ظلمتهم فيه، فيشرع طلب العفو منهم، وإن كان حقا ماليا وجب مع ذلك رد الحق إليهم، وإذا أبوا أن يعفوا عنك، فيُرجى أن يتحمل الله جل وعلا عنك حقهم إذا صدقت في التوبة والإنابة إليه؛ وقد قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}.

وأما فيما يتعلق بحالك مع زوجك، فقد ذكرت قضايا كثيرة شائكة، لكن نقول:

لا يجوز للزوج أن يعزل عن زوجته دون إذنها؛ لأن لها حقا في الاستمتاع، ولها حق في الإنجاب، وإن أصر الزوج على ذلك، فهذا من الضرر الذي يبيح للزوجة طلب الطلاق. كما بيناه في الفتوى رقم: 136053 .

ومال الزوجة وراتبها حق لها، ولا يجوز للزوج أن يأخذ من مال زوجته شيئا إلا بإذنها - كما في الفتوى رقم: 42518، لكن الزوج له الحق في أن يمنع زوجته من العمل - إن لم تشترط عليه قبل الزواج أن تعمل، وللزوج أن يشترط على زوجته أن تعطيه مالا معلوما مقابل إذنه لها بالعمل؛ وانظري في هذا الفتوى رقم: 175721 .

ومن حق الزوجة على الزوج أن يسكنها في مسكن مستقل بمرافقه، بما يليق بمثلها، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 162339. وهو من النفقة الواجبة التي يعد الإخلال بها مما يبيح للزوجة طلب الطلاق، كما سبق في الفتوى رقم: 37112 .

وأما بقاء الزوجة خارج بيت زوجها دون إذنه، فلا يجوز إلا في حال خوفها على نفسها، أو للاستعانة بمن يدفع عنها الضرر من ولي، أو قاض، كما بيناه في الفتوى رقم: 95195 . ولا يجب عليك طاعة أهلك في البقاء في عصمة زوجك، ما دمت تتضررين بالبقاء معه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني