الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الحديث عن إنسان أنه كان يعمل خيرا ثم تركه من الغيبة

السؤال

أعلم أن الغيبة حرام، وسؤالي هو: إذا كنا أنا وأخت لي في الله نتكلم عن أشخاص ليس من منطلق الأذى لهم، ولكن لأن هؤلاء الناس كانوا معنا في مشروع دعوي، والآن وكأنهم تخلوا عن الدعوة، وأيضا يؤذوننا، والآن بعد أن كانوا هداة وأئمة في الدين، أصبحت لديهم مخالفات شرعية بيِّنة، واضحة والعياذ بالله. نحن لا نتكلم عنهم من أجل أن نؤذيهم والعياذ بالله، ولكن كي نخفف من الأحزان التي سببوها لنا.
فهل هذا جائز؟
وما حكم من تكلم بهذا؟
وما حكم من يسمع من يتكلم بهذا؟
وهل يجب على من يسمع هذا أن ينكر هذا على المتكلم؟
وأخيرا: حبذا لو قدمتم لنا نصائح من أجل عدم الغيبة، وأيضا نصائح من أجل مواجهة الألم والأسى الذي يتسبب لنا حين تتقطع قلوبنا أمام ما نراه من انتكاس مشايخنا الذين ربونا على الطاعة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل أنه لا يجوز ذكر المسلم بما يكره، فإن هذا من الغيبة المحرمة، وهي من كبائر الذنوب، وقد استثنى العلماء بعض الحالات التي تجوز فيها الغيبة، منها: عرض الأمر على من يستشيره لمساعدته في البحث عن الحل، ومنها ذكر المظلوم ظالمه على سبيل القصاص، إذا كان ذلك بقدر مظلمته..، وانظري الفتوى رقم: 191027 .
ولذلك، فإذا كان ما تتحدثين به مع أختك هو بقصد البحث عن حل لمشكلة من تخلوا عن الدعوة، فإنه لا حرج فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ إذا اقتصر الحديث على محل الحاجة، أو كان فيما ظلموكم، وبقدر مظلمتكم؛ وانظري الفتوى رقم: 160389. أو كان حديثكم عن مخالفاتهم الشرعية إذا كانوا مجاهرين بها؛ فإنه لا غيبة لمن يجاهر بالمخالفات الشرعية؛ وانظري الفتوى رقم: 136941.
وأما إن كان ذكر ذلك إنما هو لمجرد التسرية -الفضفضة- فإنه لا يجوز؛ لما فيه من الوقوع في الغيبة التي لا مسوغ لها؛ وانظري الفتويين: 29510، 28004.

وفي خصوص سؤالك عن حكم من يسمع من يتكلم بهذا الكلام، وما إذا كان يجب على من يسمع هذا أن ينكر على المتكلم، فجوابه أن حكم الاستماع والإنكار يتبعان لحكم الكلام نفسه، فما كان منه محرما، فلا يجوز الاستماع إليه إلا للإنكار على صاحبه، وما كان منه مباحا، لم يكن حرج في الاستماع إليه، ولم يجب الإنكار فيه.
والذي ننصحكم به عموما بعد تقوى الله تعالى هو الصبر؛ فقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}، الصبر على طاعة الله، وعلى ما تلاقونه من الأذى في سبيل الدعوة إليه، والصبر عن معصية الله تعالى وخاصة عن الغيبة المحرمة؛ فإنها تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب الرقيق، وقد حذرنا الله عز وجل منها في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12].

قال ابن كثير في التفسير : كَمَا تَكْرَهُونَ هَذَا طَبْعًا، فَاكْرَهُوا ذَاكَ شَرْعًا؛ فَإِنَّ عُقُوبَتَهُ أَشَدُّ. اهـ.

وروى أبو داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته. صححه الألباني.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني