الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قول ابن القيم في ولاية الزوج على امرأته في مالها ليس على إطلاقه

السؤال

في كتاب إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، للإمام الحافظ ابن القيم الجوزية: 691 ـ751ـ تحقيق محمد سيد كيلاني طبع في مكتبة مصطفي الحلبي وأولاده بمصر، في الجزء الثاني من نفس الكتاب صفحة: 56، يفسر قوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم..... وبالجملة فللرجل على امرأته ولاية حتى في مالها، فإن له أن يمنعها من التبرع به، لأنه إنما بذل لها المهر لمالها ونفسها، فليس لها أن تتصرف في ذلك بما يمنع الزوج من كمال استمتاعه، وقد سوى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بين نفقة الزوجات ونفقة المماليك وجعل المرأة عانية عند الزوج، والعاني هو الأسير، وهو نوع من الرق، فقال في المرأة: تطعمها مما تأكل وتكسوها مما تلبس ـ وكذلك قال في الرقيق سواء، فهو أمير على نفقة امرأته ورقيقه وأولاده بحكم قيامه عليهم، ولم يوجب الله سبحانه على الأزواج تمليك النساء طعاما وإداما ولا دراهم أصلا، وإنما أوجب إطعامهن وكسوتهن بالمعروف وإيجاب التمليك، وإيجاب التمليك مما لم يدل عليه كتاب ولا سنة ولا إجماع وكذلك فرض النفقة وتقديرها بدراهم لا أصل له من كتاب ولا سنة ولا قول صاحب ولا تابع ولا أحد من الأئمة الأربعة.....إلخ، نقلت لك بالنص من الكتاب، وقرأت تفسير الآية في تفسير ابن كثير وتفسير السعدي ولم يفسراها بذلك، فهل مالي الذي ورثته عن والدي المتوفى ـ عليه رحمة الله ـ أو الذي يعطيه لي أخي كعيدية في العيد وذهبي الذي هو مهري من حق زوجي أن يأخذه ويتصرف فيه كما يشاء أو يمنعني من أخذه من إخوتي أو أهلي؟ كنت آخذ المال من إخوتي أو أبي قبل وفاته وأشتري به أغراضي الخاصة كعباءة وحذاء..... وكل ما يخصني، ولم أبذر يوما وأتصدق منه، وهو يرى أن ذلك من التبذير والترف، مع أنه يشتري لأمه وأخته أغلى وأكثر من ذلك، وتبذيرا ولا يتقون الله في المال، بل يصرفونه انتقاما، ووالدته كانت تشتري بكل تبذير وإسراف... وظللت بالشهور لم أجد ما يكفي لإطعامي، وزوجي يرى أن ذلك من البر بأمه وأبيه وأخته، ومهما كان طلبهم، فلا يجوز له أن يرفضه لهم ولو كان ترفا، وإن أردت شيئا فالواجب على أهلي أن يتكفلوا بذلك كما أنه متكفل بأهله، وعليه أن يطعمني ويكسوني بالمعروف، وتقدير المعروف عنده كما يراه والداه هو أنني شبعت في بيت أهلي وتعودت على الترف فيقررون كيف تكون حياتي، مع العلم أن والدي رجل يخاف الله ولم يبذر يوما معنا، بل كان يصرف المال على أسر فقيرة وأرامل وأيتام لسنوات، ولم نعلم بهذا إلا بعد وفاته، وزوجي يعلم أنني أتقي الله في ماله ـ والحمدلله ـ حالنا أصبح جيدا فلم أطلب منه المزيد يوما ولم أطلب منه شيئا لا أحتاجه يوما، ويشهد على ذلك على مدار 5 سنوات، ويأتون إلي كل سنة مدة لا تقل عن شهر أخدمهم كامل الخدمة وتعود أمه إلى بلدنا لتفضحني بنشر كل أسرار بيتي وأخصها التي لا أفعلها إلا لزوجي عند الناس وللرجال الأغراب وتحكي لهم عن بيتي أبشع الكلام على عكس الحقيقة وتنكر كل ما فعلته وتتأول الكلام، وزوجي بنفسه ينكر مني كل معروف ويقول إنه لم ير مني خيرا قط بعد أن كنا بخير حال، ولا تتوقف المشاكل إلا بعد أن أبدأ بقراءة سورة البقرة يوميا والاغتسال بها فيهدأ الحال ويعود زوجي إلى رشده وتعود الحياة بخير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فابن القيم ـ رحمه الله ـ من علماء الأمة الأفذاذ، وكتابه إغاثة اللهفان من أفضل كتبه وأقيمها، ولابن القيم اختياراته في مسائل الفقه، وهذه المسائل التي غالبا ما يكون فيها خلاف بين أهل العلم، فيعمل كل واحد بما يترجح عنده، وهذه المسألة التي ذكرها وهي منع الرزوج زوجته من التبرع بالمال إلا بإذنه، من مسائل الخلاف، وسبقت لنا الإشارة لذلك في فتوانا رقم: 9116، ورجحنا فيها أن للمرأة ذمتها المالية المستقلة، وأن لها التصرف فيما تملك في حدود المباح شرعا.

وليس في كلامه ما فهمت أنه يحق للزوج أن يأخذ مال زوجته، وأن يتصرف فيه كما يشاء، أو أن يمنعها أن تأخذ من إخوتها وأهلها، وليس من حق أهل الزوج ـ بمن فيهم والداه ـ التدخل في الحياة الزوجية لابنهم وزوجته إلا بما يؤدي إلى الإصلاح واستقرار حياة الأسرة، ولا يجوز لهم أمره بطلاق زوجته لغير أمر معتبر شرعا، ففي هذا فساد وإفساد، ولا يجب على ابنهما طاعة والديه إلا أن يكون لهما مسوغ شرعي في ذلك، كما سبق وأن بينا في الفتوى رقم: 69024.

ومن القبيح أن تكشف أم الزوج أسرار الحياة الزوجية لابنها وزوجته وتعمل على تشويه صورة زوجته، فالأصهار ينبغي أن تسود بينهم المودة وحسن العشرة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أصهاره من تزوج منهم أو من زوجهم بناته، فننصحك بالصبر وكثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يصلح ما بينك وبين زوجك وما بينك وبين أهله، فالله تعالى خير مسؤول وخير مجيب، وهو يحب أن يُسأل، ولذلك أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، فقال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

وينبغي أن تجتهدي في إقناع زوجك بحل ما قد يطرأ من مشاكل في إطار الاحترام المتبادل بينكما حرصا على لم شمل الأسرة، وحذرا من ضياع الأولاد حال حدوث النزاع والفراق، وفق الله الجميع وهداهم صراطه المستقيم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني