الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قاعدة شرعية في الحب والبغض والموالاة والمعاداة

السؤال

ما موقفنا من المعتصم بالله الخليفة العباسي الذي ضرب العلماء وعذبهم بسبب عدم القول بخلق القرآن؟ وماذا عن مسألة حبه؟ وهل إذا أحببته هذا يؤدي إلى أن احشر معه لقوله عليه الصلاة والسلام:(أنت مع من أحببت)

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الموقف الشرعي من المسلم العاصي أو المبتدع هو أنه يوالى ويحب بقدر ما فيه من إيمان ، ويعادى ويبغض بقدر ما فيه من عصيان ، قال ابن تيمية : والمؤمن عليه أن يعادي في الله، ويوالي في الله، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وإن ظلمه؛ فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة} فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي والأمر بالإصلاح بينهم. فليتدبر المؤمن الفرق بين هذين النوعين، فما أكثر ما يلتبس أحدهما بالآخر، وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك؛ فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه، والإكرام لأوليائه والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه. وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور، وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة: استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته. هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه، فلم يجعلوا الناس لا مستحقا للثواب فقط ولا مستحقا للعقاب فقط .اهـ.

وأما محبة من أظهر بدعة أو فسقا فليست مذمومة بإطلاق ، فالمذموم : هو محبته لأجل بدعته ومخالفته فهذه هي المحبة المذمومة ، وأما محبته لما فيه من إيمان فهذه محبة شرعية ، وأما محبته محبة طبيعية كمحبته لسؤدده أو نسبه أو نحوها من الخصال فهذه محبة مباحة .

و بخصوص المعتصم : فإنه وإن كان ظالما داعيا للبدعة؛ إلا أنا لا نحكم عليه بعينه بشيء في الآخرة ، فهذا مرده إلى الله سبحانه وحده ، قال ابن تيمية : وهذا كما في نصوص الوعيد، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق، لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع، فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه، وقد يشفع فيه شفيع مطاع. وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها .اهـ.

فلا يمكن الجزم بأن من أحب المعتصم حشر معه ، لأنا لا ندري مآله إلى أين ، لكن من حيث العموم : من أحبه لبدعته وظلمه لا ريب في أنه مذموم مستحق للوعيد .

ولابن تيمية كلام عن يزيد بن معاوية ينطبق على أمثاله ممن أظهر بدعة أو فسقا ، قال ابن تيمية : ولهذا كان الذي عليه معتقد أهل السنة وأئمة الأمة أنه لا يسب ولا يحب، قال صالح بن أحمد بن حنبل " قلت لأبي: إن قوما يقولون: إنهم يحبون يزيد. قال: يا بني وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت فلماذا لا تلعنه؟ قال: يا بني ومتى رأيت أباك يلعن أحدا؟ . وروي عنه قيل له: أتكتب الحديث عن يزيد بن معاوية؟ فقال: لا، ولا كرامة أوليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل؟ . فيزيد عند علماء أئمة المسلمين ملك من الملوك. لا يحبونه محبة الصالحين وأولياء الله؛ ولا يسبونه، فإنهم لا يحبون لعنة المسلم المعين .اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم : 12547 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني