الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أماني أهل الجنة تختلف عن أماني أهل الدنيا

السؤال

‏ عندي سؤال مهم، وأتمنى من ‏فضيلتكم أن تجيبوني بأسرع وقت إن ‏شاء الله.‏
‏ قصتي هي أني تربيت في حي ‏شعبي، عندي رفقاء منذ سنين، ولم ‏أرهم، حيث إني تعرفت عليهم في ‏مرحلة المدرسة، غادرت الحي وأنا ‏صغير إلى القرية، كنت دائم البكاء ‏بسبب هجرة الحي الذي تربيت فيه، ‏وظلت الذكريات في قلبي إلى الآن، ‏ذكريات المكان الذي تربيت فيه، ‏ورفقاء عمري، مرت أيام صعبة جدا، ‏بكاء دائم لا يغادر عيوني، خصوصا ‏عندما أنام، كنت أتمنى الرجوع، ‏وعزمت، وانتظرت الفرصة التي ‏أعيش فيها حياتي من جديد، صبرت ‏خمس سنوات، كنت أنتظر وظيفة ‏لكي أعيش حياتي، وألتقي مع أحبابي، ‏وأعيش حياتي يعني معاصي، شرب ‏خمر، وزنا وهكذا مرت خمس ‏سنوات، جاء وقت الوظيفة وهي أن ‏تبيع دينك من أجل الدنيا، فوفقني الله ‏للهداية، ولم أرض أن أخرج من ديني، ‏وأخلد في نار جهنم- والعياذ بالله- من ‏أجل الدنيا، والنساء، والرفقاء.‏
‏ تنبيه مهم: وما زالت بنت من ‏زملائي، وأنا صغير في المدرسة، إلى ‏الآن تتمنى أن تراني، وما بعد ‏الاشتياق الزنا، والله أعلم.‏
‏ السؤال الآن: إذا أدخلني الله الجنة إن ‏شاء سبحانه وتعالى، هل أستطيع أن ‏أتمنى ما قلت سابقا من مصاحبة ‏رفقاء عمري، وأن أرجع إلى الحي ‏الذي تربيت فيه، ونكاح ما طاب لي ‏من نساء كنت أعرفهن في الدنيا، أنا ‏أعلم أن الرجوع الحقيقي إلى الأرض ‏لا يحصل كما قال تعالى، ولكن ‏في الجنة يمكن أن يشبه لي الحي، ‏والبيت، والمدرسة التي تربيت فيها ‏بدليل آية: " وأتوا به متشابها " أليس ‏كذلك؟
‏ وأيضا السيارات التي كلما أراها ‏أقول: في جنات الخلد إن شاء الله.
‏وأيضا هناك مسألة وهي أني كلما رأيت ‏نساء أقول: سأنكحهن في الجنة، ‏وأعيش شبابي مجددا إن شاء الله. ‏كيف لا والله عز وجل يقول: {في ‏شغل فاكهون} ويقول: {لهم فيها ما ‏يشاءُون خالدين} ويقول: وَلَكُمْ فِيهَا مَا ‏تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ. ويقول: {ولهم ما ‏يدعون} أي ما يتمنون.‏
‏ أنا أعلم أن النساء المتزوجات في ‏الدنيا يصبحن لأزواجهن يوم القيامة، ‏ولكن أعود وأقول يشبه لي أنهن هن ‏النساء، والحي، والرفقاء، ولكن في ‏الحقيقة ليس كذلك.
لفت انتباهي ‏حديث أبكاني هو قول النبي صلى الله ‏عليه وسلم للرجل الذي سأله عن ‏الفرس يطير فيه في الجنة، فقال ‏النبي عليه الصلاة والسلام: إن ‏أدخلك الله الجنة، لك فيها ما تشتهي ‏نفسك، وتلذ عينك.‏
‏ فهل ما أعتقده يحصل إن شاء الله؟
‏وأتمنى من فضيلتكم أن لا تكتبوا لي ‏كلاما عاما، وأن لا تحيلوني إلى ‏فتاوى أخرى.‏
‏ تذكير هام: إذا كان الجواب: لا ‏يحصل ما تتمناه. أريد الدليل.
وإذا ‏كان الجواب: نعم، يحصل ما تتمناه. ‏أريد المزيد.‏
‏ ختاما أسأل الله أن يدخلكم الجنة، ‏وجميع المؤمنين إن شاء الله تعالى. ‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد أخبرنا الله تعالى عن الجنة فقال: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ. {الزخرف:71}. وقال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. متفق عليه.
فمن دخل الجنة نال ما تمنى، ووجد ما يشتهي، فلن يشاء فيها شيئاً إلا أعطيه، كما قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ. {النحل:31}.
وسمع سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- ابنا له يدعو يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها، وبهجتها وكذا، وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها، وأغلالها وكذا وكذا. فقال: يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون قوم يعتدون في الدعاء. فإياك أن تكون منهم، إنك إن أعطيت الجنة، أعطيتها وما فيها من الخير، وإن أعذت من النار، أعذت منها وما فيها من الشر. رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.
فما ذكرته -أيها السائل- من أمنيات في الجنة، يجوز لك تمنيها، وجائز تحققها في الجنة.
وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَوَ لَسْتَ فِيمَا شِئْتَ، قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ، وَاسْتِوَاؤُهُ، وَاسْتِحْصَادُهُ، وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وفي هذا الحديث من الفوائد أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا، ممكن فيها. قاله المهلب. انتهى.
ومع هذا، فينبغي التنبه إلى أن أماني أهل الجنة، ورغباتهم بعد دخولها تختلف اختلافا كبيرا عن أماني أهل الدنيا، ورغباتهم، فإنهم لا يدخلونها إلا بعد أن ينقوا، ويهذبوا، ويصيروا طيبين في طباعهم، وأخلاقهم، وفي كل شيء، فهم منزهون عما تأباه الفطر السوية مما يقبح ويفحش، ومن ذلك الزواج بامرأة ماتت عن زوج قد دخل معها الجنة.
وأما قولك: (كلما رأيت نساء أقول سأنكحهن في الجنة) فغير صحيح، ولا يجوز اعتقاده، فإن منهن المتزوجات، فضلا عن أن ذلك من ادعاء الغيب.
وحسب المؤمن أن يكون همه دخول الجنة، فإذا دخلها وجد من النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 125317.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني