الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

درجة حديث: إن في الجنة سوقا. وبيان معناه

السؤال

ماذا يعني هذا الحديث: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن في الجنة سوقًا، ما فيها بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها، وإن فيها لمجتمعا للحور العين، يرفعن أصواتا لم ير الخلائق مثلها، يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الراضيات فلا نسخط، ونحن الناعمات فلا نبأس، فطوبى لمن كان لنا وكنا له." أريد تفصيل الإجابة إذا سمحتم، وهل هو قوي بالكفاية للاستدلال به أم لا؟ وهل كلمة (رجل) بالحديث تقتصر على الرجال أم جامعة للرجال والنساء، كذلك يخترن الصورة التي يشأنها، بمعنى: يغيرن جنسهن من نساء إلى رجال، ومن رجال إلى نساء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما الحديث المذكور: فقد أخرجه الترمذي، وأحمد في مسنده، وأبو يعلى في مسنده، وغيرهم، وضعفه العلامة/ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند، والشيخ/ الألباني في سنن الترمذي، وضعفه الشيخ/ حسين الأسد في تحقيق مسند أبي يعلى، وقال محققو المسند: إسناده ضعيف؛ لضعف عبد الرحمن بن إسحاق، ولجهالة النعمان بن سعد، وأورده ابن الجوزي في "العلل المتناهية"، وفي "الموضوعات".

وبالتالي؛ فلا يمكن الجزم بمضمون الحديث من جهة تغيير الصور، ومع هذا؛ فقد ذكر بعض أهل العلم أن المرأة في ذلك كالرجل؛ قال القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: وكذا إذا اشتهت النساء صورة دخلن فيها. انتهى.

ويقول في معنى الحديث: («إن في الجنة لسوقا») أي: مجتمعا، والسوق مؤنث سماعي؛ ولذا قال: (ما فيها) أي: ليس في تلك السوق (شرى) بالكسر والقصر، أي: اشتراء (ولا بيع): والمعنى: ليس فيها تجارة (إلا الصور): بالنصب، وفي نسخة بالرفع، أي: التماثيل المختلفة (من الرجال والنساء، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها). وكذا إذا اشتهت النساء صورة دخلن فيها. قال الطيبي - رحمه الله -: قد سبق في الفصل الأول في حديث أنس أن المراد بالسوق المجمع، وهذا يؤيده، يعني: حيث قال: ما فيها شرى ولا بيع. قال: فالاستثناء منقطع، ويجوز أن يكون متصلا بأن يجعل تبديل الهيئات من جنس البيع والشرى، كقوله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء: 88 - 89] يعني على وجه، وإلا فالمعتمد أن استثناءه منقطع، ثم قيل: يحتمل الحديث معنيين: أحدهما: أن يكون معناه عرض الصور المستحسنة عليه، فإذا اشتهى وتمنى تلك الصورة المعروضة عليه، صوره الله سبحانه بشكل تلك الصورة بقدرته. وثانيهما: أن المراد من الصورة الزينة التي يتزين الشخص بها في تلك السوق، ويتلبس بها، ويختار لنفسه من الحلي والحلل والتاج. يقال: لفلان صورة حسنة، أي: هيئة مليحة، يعني: فإذا رغب في شيء منها أعطيه، ويكون المراد من الدخول فيها التزين بها، وعلى كلا المعنيين التغير في الصفة لا في الذات.

وقال المناوي في فيض القدير: أراد بالصورة الشكل والهيئة، أي: تتغير أوصافه بأوصاف شبيهة بتلك الصورة، فالدخول مجاز عن ذلك، وأراد به التزيين بالمحل، والحلل، وعليها؛ فالمتغير الصفة لا الذات، ذكره الطيبي، وقال القاضي: له معنيان؛ أحدهما: أنه أراد بالصورة الهيئة التي يختار الإنسان أن يكون عليها من التزيين. الثاني: أنه أراد الصورة التي تكون للشخص في نفسه من الصور المستحسنة، فإذا اشتهى صورة منها، صوره الله بها، وبدلها بصورته، فتتغير الهيئة والذات، قال: وظاهره يستدعي أن الصور تباع وتشترى في ذلك السوق، لأن تقدير الكلام إلا بيع الصور وشراءها، وإلا لما صح الاستثناء، فلا بد لها من عوض تشترى به، وهو: الإيمان والعمل الصالح على ما دل عليه نص الكتاب، والسنة الدالة على تفاوت الهيئات والحلي في الآخرة بحسب الأعمال، فجعل اختيار العبد لما يوجب صورة من الصور التي تكون لأهل الجنة اختيارًا لها، واتيانه بها ابتياعا له، وجعله كالمتملك لها المتمكن منها متى شاء. انتهى.

وقد ثبتت بعض أجزاء هذا الحديث، وقد ذكرنا حديث سوق الجنة بالفتوى رقم: 24431، وثبت أن نساء أهل الجنة يغنين: نحن الخالدات..، وانظر الفتوى رقم:117770.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 24431.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني