الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأمانات لا تضمن إلا بالتعدي أو التفريط

السؤال

كنت في طريقي إلى المطار مع مجموعة من زملائي، وكنت أحتفظ بمبلغ مالي (لي ولأحد زملائي) بالإضافة إلى جواز سفري في شنطة يد صغيرة فقدت الشنطة بعد تحركنا بنحو سبع دقائق، وعدنا للبحث ولم نجدها، المبلغ الذي بداخل الشنطة هو كالتالي: 21000 ريال لي، و58000 لصديقي.
ما حدث معي بعدها كالتالي، قلت له: أن لا يقلق وأني سأعوضه عن المبلغ، وطلبت منه أن يسافر لأن حفل زفافه كان بعد شهر، رفض أن يسافر، وبعدها بيومين جلسنا وقال لي: بأن الشرع هو الذي يحكمنا ووافقته، وقال لي: بأنه قرأ على بعض المواقع أن من فرّط في شيء يكفله، وأنت فرّطت، وقتها لم أستطع أن أقول له لم أفرط، فلا أدري كيف فُقدت؟ وما هي اللحظة التي غفلت فيها عن الشنطة؟ لكن بنفس الوقت لن أفرّط بشنطة بهذه الأهمية لي وله!! على كل وافقته، وكتبت له ورقة بالمبلغ كاملاً على أنه دين علي، وسامحني بـ15000 ريال، وقال لي بأن أسدد الباقي على أقساط.
ما دفعني إلى ذلك ثقتي بأن صاحبي لو تبين لنا أن الحكم الشرعي غير ذلك سيوافق، ولم أرد أن أشغله عن حفل زفافه، وكلت من يسأل لي عن الحكم الشرعي بعد ذلك، وجاءت جميع الإجابات بأني لا أكفل شيئاً لأني عاملتها كما عاملت مالي ولا أعتبر مفرطاً. راجعت صاحبي (لكن بعد حفل زفافه بفترة)، وقال لي بأنه سيفكر بالموضوع، وقلت له: أني سأعطيه نصف مبلغه حتى لو لم يكن علي شيء تقديراً لظروفه، ثم رفض وقال: بأني فرطت وعلي المبلغ كاملا، وأن ما دفعني إلى طلب حكم الشرع هو شعوري بضخامة المبلغ! مع أني قلت له: أني لم أرغب بإزعاجه نظراً لظروفه، لكنه قال لي: أنت كفلت لي المبلغ حتى قبل أن نجتمع ونكتب الورقة ـ يقصد عندما قلت له سافر ـ وهو الآن مصر على أن نكمل حسب الاتفاق.
بماذا تنصحونني؟ هل أكمل له حسب الاتفاق؟ لكني لن أسامحه وأخبرته بذلك، وقال لي: بأنه سيتحمل المسؤولية! أم هل أرفض وأكمل له على نصف المبلغ فقط حتى لو اشتكى علي قانونياً؟ أخيراً، أثق أن الله لن يضيعني، مع أني من المقصرين، لكن يومها صليت الفجر في جماعة، وقرأت أذكار الصباح، وكنت ولا أزال أظن بربي خيراً، لكن أعتقد أن هذا لا يتعارض مع مطالبتي بحقي الشرعي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن المقرر في الشريعة أن الأمانات لا تضمن إلا بالتعدي أو التفريط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي: لا ضمان على مؤتمن.
والتعدي معناه: فعل ما لا يجوز، والتفريط معناه ترك ما يجب، قال ابن قدامة جاء في المغني بعد قول الخرقي: (وليس على مودع ضمان, إذا لم يتعد): وجملته أن الوديعة أمانة, فإذا تلفت بغير تفريط من المودع, فليس عليه ضمان, سواء ذهب معها شيء من مال المودع أو لم يذهب، هذا قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن أبي بكر, وعلي, وابن مسعود ـ رضي الله عنهم ـ وبه قال شريح, والنخعي, ومالك, وأبو الزناد، والثوري, والأوزاعي, والشافعي, وأصحاب الرأي، وعن أحمد رواية أخرى, إن ذهبت الوديعة من بين ماله غرمها; لما روي عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله. قال القاضي: والأولى أصح; لأن الله تعالى سماها أمانة والضمان ينافي الأمانة، ويروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المستودع ضمان، ويروى عن الصحابة الذين ذكرناهم، ولأن المستودع مؤتمن فلا يضمن ما تلف من غير تعديه وتفريطه, كالذي ذهب مع ماله, ولأن المستودع إنما يحفظها لصاحبها متبرعا, من غير نفع يرجع عليه فلو لزمه الضمان لامتنع الناس من قبول الودائع, وذلك مضر; لما بيناه من الحاجة إليها, وما روي عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها, فلا ينافي ما ذكرناه، فأما إن تعدى المستودع فيها, أو فرط في حفظها, فتلفت ضمن, بغير خلاف نعلمه; لأنه متلف لمال غيره, فضمنه, كما لو أتلفه من غير استيداع. اهـ
وعلى ذلك فإن كنت لم تفرط في حفظ الشنطة ـ وهذا الذي يظهر من حالك ـ فلا يلزمك تعويض صاحبك عن شيء من المبلغ ولو وعدته بذلك؛ لأن الوفاء بنحو الوعد المذكور مستحب لا واجب. وانظر الفتوى رقم: 17057، ولمزيد فائدة راجع الفتويين التاليتين أرقامهما: 65886، 223357.

وننبه إلى أنه إذا لم تتوافقا فعليكما أن ترفعا أمركما إلى المحكمة الشرعية، لتحكم بينكما فيما اختلفتما فيه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني