الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم العمل في تحديد الفوائد الربوية وحكم الراتب المكتسب منه

السؤال

أنا أعمل في أحد البنوك في الخزينة بإدارة أموال البنك من ودائع، وقروض إسلامية، وعادية غير إسلامية، ومنذ أن بدأت العمل هناك منذ سنوات وأنا أحاول أن أذهب للعمرة، ودائما يحدث شيء يمنعني لدرجة أني كنت في مكة نفسها بنية العمرة ولم أستطع القيام بالعمرة! ودائما أشعر بالحزن وعدم السعادة مهما ترقيت أو جاءني دخل من هذا العمل، فهل يعتبر عملي ربا؟ وهذا هو سبب حزني مهما زاد دخلي! وعدم البركة فيه؛ حيث إنه يذهب دائما على مرض أو مشاكل، وهل هذا العمل قد يكون سببا في غضب ربي وصعوبة الحصول على العمرة؟ مع العلم أن زملائي يعتمرون ويحجون، ولم يواجهوا مثل مشكلتي، وهل مالي يعتبر حلالا أم به شبهة من الربا؟ مع العلم أن أسعار كل ودائع وقروض البنك للبنك والعملاء إسلامية، وغيرها، وأنا أحدد أسعارها يوميا لسنوات.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالعمل في تحديد الفوائد الربوية، ونحو ذلك، عمل محرم، لا يجوز لك المضي فيه، بل يجب عليك المبادرة بتركه، والبحث عن عمل آخر مباح.

ففي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وقال: هم سواء. فلم يجعل الوعيد خاصًّا بآكل الربا وموكله فحسب، بل شمل الكاتب والشاهد؛ لأنهم أعانوا على أكل الربا. وما تفعلينه أنت أكبر من عمل الشاهد والكاتب.

وما تأخذينه من راتب ينظر فيه؛ فما كان منه مقابل العمل في الودائع والقروض الربوية، ونحو ذلك، فهو محرم؛ لأن الفعل محرم لا يحل أخذ العوض عليه، فـ (إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه) -كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد، وصححه ابن حبان- ، وانظري مثلًا الفتاوى التالية أرقامها: 102302، 123623، 71269، 105159، 3502، 205069.

وقد سئلت اللجنة الدائمة: ما حكم الراتب الذي يأخذه الموظف في البنك؟
فأجابت: إذا كان البنك غير ربوي؛ فما يأخذه الموظف به من مرتب أو مكافأة، أجرًا على عمله من الكسب الحلال؛ لاستحقاقه إياه مقابل عمل جائز. أما إن كان البنك ربويا؛ فما يأخذه الموظف من مرتب أو مكافأة أجرا على عمله به حرام؛ لتعاونه مع أصحاب البنك الربوي على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، ولأن «النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: "هم سواء" » رواه مسلم. اهـ.

وأما ما كان من الراتب مقابل عمل مباح -كإدارة الودائع والقروض الإسلامية- فهو مباح. كما سبق في الفتوى رقم: 99709.

وإذا كنت تجهلين حرمة العمل في الودائع الربوية، ثم علمت وتبت، فلا تطالبين بالتخلص من الراتب المحرم عند طائفة من أهل العلم مستدلين بقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة:275}.

وبعد هذا؛ فما ذكرته من حزنك وفقدك للسعادة، وانعدام البركة في مالك ليس بغريب، فإن شأن المال المحرم أنه ممحوق البركة، وشؤم على صاحبه في العاجل والآجل. وما يدريك لعل تعسير العمرة عليك هو ابتلاء من الله تعالى يدعوك به للتوبة والإقلاع عن العمل في البنك الربوي.

فلتبادري بترك هذا العمل، واعلمي أنك إن فعلت ذلك اتقاء الله فسيعوضك خيرًا منه؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله -عز وجل- إلا أعطاك الله خيرًا منه. رواه أحمد، وصححه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني