الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفضيل بين صيام التطوع

السؤال

كل صيام له فضله وأجره، لكن إذا أردنا ترتيب الصيام من حيث الأفضلية فأيهما أفضل بالترتيب: صيام يوم وإفطار يوم، صيام الدهر، أم الإثنين والخميس، أم الأيام البيض؟
وقرأت أن من كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأفطر العيدين أو أيام التشريق لا يعد صيامه كصيام الدهر، فهل هذا صحيح؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصيام داود -عليه السلام- هو أفضل صيام التطوع, وهو صوم يوم وفطر يوم؛ جاء في فيض القدير للمناوي: أحب الصيام المتطوع به إلى الله تعالى أي: أكثر ما يكون محبوبًا إليه .... صيام نبي الله داود. وقد بيَّن -رحمه الله- وجه كونه أحب الصيام بقوله: كان يصوم يومًا ويفطر يومًا فهو أفضل من صوم الدهر، لأنه أشق على النفس بمصادفة مألوفها يومًا ومفارقته يومًا. انتهى.

وفي الروض المربع شرح زاد المستقنع: وأفضله -أي أفضل صوم التطوع- صوم يوم وفطر يوم، لأمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن عمرو قال: هو أفضل الصيام. متفق عليه. انتهى.

أما صوم الدهر: فهو مكروه على القول الراجح؛ جاء في زاد المعاد لابن القيم: فهديه لا شك فيه أن صيام يوم وفطر يوم أفضل من صوم الدهر وأحب إلى الله. وسرد صيام الدهر مكروه، فإنه لو لم يكن مكروهًا لزم أحد ثلاثة أمور ممتنعة: أن يكون أحب إلى الله من صوم يوم وفطر يوم، وأفضل منه؛ لأنه زيادة عمل، وهذا مردود بالحديث الصحيح: («إن أحب الصيام إلى الله صيام داود») وأنه لا أفضل منه. وإما أن يكون مساويًا في الفضل، وهو ممتنع أيضًا، وإما أن يكون مباحًا متساوي الطرفين لا استحباب فيه ولا كراهة، وهذا ممتنع؛ إذ ليس هذا شأن العبادات، بل إما أن تكون راجحة أو مرجوحة. والله أعلم. انتهى.

وفي الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية: وقد تنازع العلماء في سرد الصوم إذا أفطر يومي العيدين، وأيام منى؛ فاستحب ذلك طائفة من الفقهاء والعباد، فرأوه أفضل من صوم يوم وفطر يوم، وطائفة أخرى لم يروه أفضل، بل جعلوه سائغًا بلا كراهة، وجعلوا صوم شطر الدهر أفضل منه، وحملوا ما ورد في ترك صوم الدهر على من صام أيام النهي. والقول الثالث -وهو الصواب-: قول من جعل ذلك تركًا للأولى، أو كره ذلك، فإن الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كنهيه لعبد الله بن عمرو عن ذلك، وقوله: «من صام الدهر فلا صام، ولا أفطر» وغيرها صريحة في أن هذا ليس بمشروع. انتهى.

وعلى القول الراجح من كراهة صوم الدهر, فيكون أفضل منه صوم الإثنين والخميس, وأيام البيض, لكن صيام الإثنين والخميس أفضل من صيام الأيام البيض, ومن الأفضل الجمع بين صيام الأيام المذكورة؛ جاء في فتاوى نور على الدرب للشيخ/ ابن باز: أيهما أفضل: صيام الأيام البيض أم الاثنين والخميس؟ ج: كلها خير، لكن صيام الاثنين والخميس يأتي أكثر أجرًا؛ لأن الاثنين والخميس ثمانية أيام في الشهر، أما الأيام البيض فثلاثة أيام فقط، فإن صام الاثنين والخميس حصل له صيام ثمانية أيام من كل شهر، وحصل له زيادة، وهذا الأفضل والأكمل، فإن جمع بين صيام البيض وصيام الاثنين والخميس، فكله خير، وكله طيب، وقد تصادف الأيام البيض الاثنين أو الخميس. انتهى.

وبالنسبة لمن يصوم يومًا ويفطر يومًا: فيجب عليه الفطر في أيام التشريق, وأيام العيد, ولا يمنعه ذلك من مواصلة صيام داود, كما سبق في الفتوى رقم: 186109.

وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 289033.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني