الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منزلة الفردوس الأعلى هل تختص بالمجاهدين

السؤال

جزاكم الله خيرا على هذه الفتاوى التي قد أفادتنا كثيرا: كيف يمكن لي أن أصل إلى الفردوس الأعلى؟ أخاف أن لا أصل إلى هذه المرتبة، لأن الأنبياء والرسل قد جاهدوا كثيرا للوصول إلى الفردوس، فما بالنا نحن اليوم ولم يعد هناك جهاد في سبيل الله، ولا يمكننا أن نصل إلى مستوى الأعمال التي وصل إليها الأنبياء والرسل والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فكيف نكون في مرتبتهم؟ وهل إذا أدخلنا ربنا ـ إن شاء الله ـ الفردوس سيكون لنا نفس النعيم كلنا؟.
وشكرا جزيلا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن أعلى درجات الجنة وأعظم مراتبها: الفردوس الأعلى، وينبغي لكل مسلم أن يسألها، فقد روى الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس. والحديث صححه الألباني.

وأما سبيل الوصول إليها: فطاعة الله ورسوله، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ورجاء ثوابه وخوف عقابه وكثرة دعائه، قال الله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا {النساء:69}.

وقال تعالى: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون، والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون، والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، والذين هم على صلواتهم يحافظون، أولئك هم الوارثون الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {المؤمنون: 1ـ11}.
وفي الأثر: أن رجلا من الصحابة قال: يا رسول الله؛ إنك لأحب إلي من نفسي، وأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل قول الله تعالى: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً {النساء: 69}. قال الهيثمي في المجمع: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ الْعَابِدِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ.

واذا كان الرسل والصحابة جاهدوا في سبيل الله تعالى، فإنه قد شرع لنا مثل ما شرع لهم من المجاهدة في التعلم والدعوة والعبادة، فعلينا أن نحذو حذوهم ونحرص على الاقتداء بهم، وإن لم يتيسر لنا قتال في سبيل الله فعسى أن ننال درجة عالية في الفردوس وتكون قريبا من درجة المجاهدين، قال ابن بطال رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى ـ خطاب لجميع أمته يدخل فيه المجاهدون وغيرهم، فدل ذلك أنه قد يعطي الله لمن لم يجاهد قريبًا من درجة المجاهد، لأن الفردوس إذا كان أعلى الجنة ولا درجة فوقه، وقد أمر صلى الله عليه وسلم جميع أمته بطلب الفردوس من الله، دل أن من بوأه الفردوس وإن لم يجاهد، فقد تقارب درجته من درجات المجاهد في العلو وإن اختلفت الدرجات في الكثرة، والله يؤتي فضله من يشاء. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني