الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المستطيع حفظ القرآن كاملا ولم يبذل جهده هل ينال أجر حفظه بنيته؟

السؤال

هل من يحفظ آيات قليلة من القرآن الكريم يومياً، كأن يحفظ ثلاث آيات في اليوم. وهو باستطاعته أن يحفظ أكثر من ذلك، ولكن لا يفعل.
هل إذا قدر الله ومات قبل أن يحفظه، بإذن الله يأخذ أجر حفظ القرآن الكريم؟
كما أن نيته هي حفظ القرآن الكريم، ولكن الورد اليومي حفظ آيات قليلة!
أفيدونا أثابكم الله، وجزاكم خيراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد وردت الأدلة من نصوص الوحي، وكلام أهل العلم على أن من نوى عملاً، وبذل ما يقدر عليه، ثم حال بينه وبين إتمامه عذر، أن له ثواب العمل كاملاً.

قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: مَنْ نَوَى الْخَيْرَ، وَعَمِلَ مِنْهُ مَقْدُورَهُ، وَعَجَزَ عَنْ إكْمَالِهِ؛ كَانَ لَهُ أَجْرُ عَامِلٍ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ. قَالُوا: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ. اهـ. ويفهم من هذا، أن من لم يبذل وسعه، لم يحصل له الأجر كاملا، وإنما يحصل له أجر ما عمل.

وعلى هذا؛ فإن الشخص الذي يستطيع أن يحفظ القرآن ولم يفعل، أو لم يبذل ما يستطيع من الجهد؛ فإنه إذا حيل بينه وبين إتمام حفظ القرآن، سواء بالموت، أو غيره فلا يحصل على أجر حفظ القرآن كاملا، وإنما يحصل له أجر ما حفظ فقط.
هذا؛ وننبه إلى أن من أهم ما يبذل فيه الجهد، ويفرغ له الوقت هو حفظ كتاب الله تعالى؛ ففي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خيركم من تعلم القرآن، وعلمه. وروى الإمام أحمد في المسند، وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ".. وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فيُقَالُ لَهُمَا: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ، وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا.

قال الألباني في الصحيحة: واعلم أن المراد بقوله: "صاحب القرآن": حافظه عن ظهر قلب، على حد قوله صلى الله عليه وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله.."

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني