الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم استعمال عبارة بإذن الله بدلا من إن شاء الله

السؤال

ما حكم استخدام الناس لقول "بإذن الله" بدلًا من "إن شاء الله" عند ما يهمون بفعل شيء ما في المستقبل؟
حينما فكرت فيها سألت نفسي: هل هذا يصلح كبديل؟ وهل قول "بإذن الله" يعلق فعل الشيء على مشيئة الله كما يفعل قول "إن شاء الله"؟ ثم هل في قول أحدهم: "سأفعل كذا بإذن الله" تألٍّ على الله؟ كأنه يقول -مثلًا-: "إن الله سيأذن لي أن أفعل كذا، وأنا سأفعله بإذنه هذا"؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل أن يقول المسلم لما يستقبل: إن شاء الله؛ قال تعالى في سورة الكهف: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا {الكهف:24،23}.
قال ابن كثير: هذا إرشاد من الله لرسوله -صلوات الله وسلامه عليه- إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل، أن يرد ذلك إلى مشيئة الله -عز وجل- علام الغيوب، الذي يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون. انتهى.

وفي الحديث: "وإني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير -أو: أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني-". أخرجه البخاري، ومسلم.

ولا مانع -إن شاء الله- من استبدالها بكلمة بإذن الله؛ فإنها تفيد نفس المعنى -وإن كان البقاء على الوارد أولى وهو لفظ: إن شاء الله-؛ قال تعالى عن عيسى -عليه السلام-: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ... } [آل عمران: 49]، وقال: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [إبراهيم: 11].

والعبد لا يفعل شيئًا ولا يقدم طاعة إلا بإذن الله؛ قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32].

وقد استعمل ذلك بعض السلف؛ ففي فضائل القرآن لابن الضريس عن عبد الله بن مسعود: هي المانعة بإذن الله -عز وجل- من عذاب القبر، وهي في التوراة: سورة الملك، من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب.

وجاء في تفسير ابن ابي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "وكان سليمان -عليه السلام- إذا أراد أن يغدو في غدوه وروحه ركب فيمن أحب من خيله ثم قال: يأتينا ريح كذا وكذا بإذن الله تحملنا إلى أرض كذا وكذا، فتقبل في عصار حتى تطيف بهم، فيدفعوا خيولهم فيها فينتهوا إلى الأرض التي يريد وقد غابت أثغارها وحرمها ولجمها في الزبد".

فالمقصود هنا أن المشيئة الكونية والإذن الكوني متقاربان، وقد أشار إلى ذلك العلامة البراك فقال في شرح الطحاوية: الصحيح أن المشيئة لا تنقسم، فلا يقال: إن المشيئة نوعان شرعية وكونية. بل المشيئة كونية فقط، وليس لمن قال: (إن المشيئة نوعان) ما يدل على قوله؛ بل المشيئة كونية فقط، وهي عامة (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن). وتقسيم الإرادة إلى كونية، وشرعية يجري مثله في معاني متعددة في القرآن، فمما يضاف إلى الله الإذن، وهو: شرعي وقدري -والقدري هو الكوني-، والقضاء، والتحريم، والبعث، والإرسال، وغيرها كلها يجري فيها هذا.

مثلًا: الإذن منه كوني وشرعي، قال الله تعالى في شأن السحرة ((وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)) [البقرة: 102]. فالسحرة لا يضرون أحدًا بسحرهم إلا بإذنه الكوني. وأما الإذن الشرعي فقوله تعالى: ((مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ)) [الحشر: 5]. انتهى.

فإذا قال الإنسان: "سأفعل كذا بإذن الله"، وكان مراده: إذا أذن الله، فهذا مفيد للتعليق ومساوٍ لقوله "إن شاء الله"، والغالب أن مستعمل هذه الكلمة يريد التعليق، ولا يريد التألي والإخبار عن إذن الله له بالفعل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني