الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى قوله تعالى: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله

السؤال

قال الله تعالى: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم.
فهل الكفر بالآلهة الأخرى يؤدى لليقين بوحدانية الله؟ أم أن المقصود هو أن اليقين بوحدانية الله يؤدى للكفر بالآلهة الأخرى؟
أرجو إجابة الأسئلة دون الإحالة لفتاوى أخرى.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمقصود أنه لا بد من الإيمان بالله ربا والكفر بكل معبود سواه، ولا يكفي أي منهما عن الآخر.

جاء في كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب: ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله; حرم ماله ودمه، وحسابه على الله" وهذا من أعظم ما يبين معنى (لا إله إلا الله); فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف; لم يحرم ماله ولا دمه، فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها! ويا له من بيان ما أوضحه! وحجة ما أقطعها للمنازع!. اهـ

وفي شرح ثلاثة الأصول لصالح الفوزان: لا تكون عبادة إلا مع اجتناب الطاغوت وهو الشرك، قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256]، فالإيمان بالله لا يكفي إلا مع الكفر بالطاغوت، وإلا فالمشركون يؤمنون بالله لكنهم يشركون به، {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، بين سبحانه أن عندهم إيمان بالله ولكن يفسدونه بالشرك والعياذ بالله. اهـ

وعليه، فإن الكفر بالآلهة الأخرى ليس وحده كافيا؛ لأن هناك من لا دين له ولا إله ملحدا كافرا لا يعبد شيئا ولا يؤمن بشيء.

وقد يكون مؤمنا بالله عز وجل ولكنه غير كافر بما يعبد معه من طواغيت وأصنام، فيكون مشركا كما هو حال مشركي العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانوا مؤمنين بأن الله عز وجل إله لكنهم يعبدون الأصنام تقربا إليه بزعمهم، قال تعالى عنهم: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ {الزمر:3}.

ولهذا كانت كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) محققة المراد شاملة لكل ما تقدم لأن فيها نفي العبودية بحق عن ما سوى الله من طواغيت ومعبودات وإثباتها لله سبحانه، جاء في شرح العقيدة الطحاوية للبراك: هذه الجملة مركبة من النفي والإثبات، نفي الإلهية بحق عن كل أحد إلا الله، فالله تعالى هو الإله الحق، وكل معبود سواه باطل، قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج: 62] فالنفي هو الكفر بالطاغوت، والإثبات هو الإيمان بالله قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) [البقرة: 256]. اهـ

وانظر الفتوى رقم: 223480.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني