الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهمية تدبر القرآن والفرق بين التدبر والاستنباط

السؤال

ما يمنعني من كثير من الاستفادة من القرآن الكريم، عدم اعتماد استدلالي أو استنباطي من الآيات، وعدم اعتمادي لطريقة تفكيري فيه، فكنت أتوقف عن ذلك.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا نحضك على التدبر للقرآن الكريم، فلا تتوقف عنه أبدا، واحرص على سؤال أهل العلم عما يشكل عليك من معناه، فإن التدبر في القرآن غاية من غايات إنزاله: يقول الله تعالى: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب {ص:29}.

ومدح الحق جل وعلا من تدبر وانتفع، فذكر من صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً {الفرقان:73}.

وذم من لا يتدبرون القرآن وأنكر عليهم، فقال تعالى: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها {محمد:24}.
وقال علي رضى الله عنه: لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبر فيها.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن أقرأ إذا زلزلت والقارعة أتدبرهما، أحب إليّ من أقرأ البقرة وآل عمران تهذيرا.

وقال ابن مسعود رضى الله عنه: من أراد علم الأولين والآخرين، فليتدبر القرآن.

وقال ابن القيم رحمه الله: فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وحلاوة القرآن. اهـ.

وقال ابن القيم: ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده من تدبر القرآن وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها وعلى طرقاتهما وأسبابهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتتل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر. اهـ.

واعلم أن التدبر يكون بالتأمل في الآية للاتعاظ بها والاعتبار، فإذا قرأها آمن بمدلولها وحاسب نفسه في العمل بها وتاب من التقصير فيه، قال السيوطي رحمه الله تعالى: صفة التدبر أن يشغل القارئ قلبه بالتفكر في معنى ما يتلفظ به فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان قصر عنه فيما مضى من عمره اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية عذاب أشفق وتعوّذ، أو تنزيه نزّه وعظّم، أو دعاء تضرع وطلب. اهـ.

وقد جعل بعض المفسرين ترك تدبر القرآن وتفهمه من هجرانه، قال ابن القيم: هجر القرآن أنواع... الرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه. اهـ.

والناس يتفاوتون في التدبر بحسب علمهم، فقد يبدو للعالم من الآية ما لا يبدو للجاهل، ولكن هذا لا يعني أن الجاهل لا يستخدم عقله في محاولة التدبر، كما أنه لا يجوز للجاهل أن يفسر القرآن برأيه المجرد، وإنما ينبغي له التدبر وسؤال أهل العلم عما يشكل عليه، وفي المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، بل يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم فردوه إلى عالمه. والحديث صححه الألباني في تخريج الطحاوية .

واعلم أن التدبر يعم العلماء وغيرهم، وأما الاستنباط والاستدلال: فهو خاصٌّ بأولي العلم، ومن لطيف التناسب بين الآيات الدالة على هذا الأمر أن آية الاستنباط جاءت عقب آية التدبر، كما في قوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً {النساء:83،82}.

فوجه الأمر بالتدبر للعموم، وخص الاستنباط بأولي العلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني