الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الملحمة الكبرى؛ وقتها، سبب قيامها

السؤال

أريد أن أستفسر عن الملحمة الكبرى, ومتى تكون؟ ومن هو المسؤول عنها؟ حيث وجدت اختلافات في الروايات بعض الشيء، فمنها ما يقول إننا سنقاتل عدوا من ورائنا، ثم تقوم الملحمة, ومنها ما يقول بقيام الملحمة دون قتال عدو من ورائنا؟ أم أن كلا منهما واحد وفي كل ذكر تفصيل وهو المرجح؟ وهل الخلافة ستكون بعدها؟ وهل ستكون خلافة عدل أم ظلم؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالملحمة الكبرى حرب عظيمة تكون بين الروم وبين المسلمين في آخر الزمان، قبل خروج الدجال، قال الدكتور عمر بن سليمان الأشقر في القيامة الصغرى: الآيات الكبرى متتابعة في وقوعها، لا يكاد يفصل بينها فاصل زمني، وهي تشبه في تتابعها إذا وقعت العقد إذا انقطع سلكه الذي ينتظم حباته، فإن الحبة الأولى تسقط فتتبعها بقية الحبات بلا تأخير، روى الحاكم بإسناد صحيح عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأمارات خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاً ـ وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن وقوع الحرب الكبرى بين المسلمين والروم وهي التي سماها الملحمة ستكون أولاً، ثم يفتح المسلمون القسطنطينية، ثم يخرج الدجال، روى معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال ـ رواه أبو داود، ومراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الأحداث تقع متتابعة متوالية، وسيظهر للقارئ وهو يتابع كتابنا هذا كيف أن المسلمين في ذلك الزمان يشتبكون مع الروم في معركة كبرى، هي التي سماها الرسول صلى الله عليه وسلم بالملحمة، وبعد انتصارهم عليهم يفتحون القسطنطينية، ثم يخرج الدجال، وبعد خروج الدجال ينزل عيسى ويقتل الدجال، ثم يخرج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى، ويهلكهم الله في زمنه، والترتيب إلى هنا واضح ظاهر. اهـ.

وأما السؤال عن المسئول عن هذه الملحمة، فإن كان المراد به بيان سببها، فهذا قد جاء ذكره في السنة النبوية في عدة أحاديث، من أشهرها وأوضحها في بيان ذلك حديث ذي مخمر الحبشي ـ رضي الله عنه ـ وقد سبق شرحه في الفتوى رقم: 64042.

وقد وقع خلاف في لفظة: من ورائكم ـ في روايات هذا الحديث، فهذا هو لفظ أبي داود: ستصالحون الروم صلحا آمنا فتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم. وفي لفظ لأحمد: من ورائهم.

وفي لفظ ابن ماجه ورواية أخرى لأحمد: ثم تغزون أنتم وهم عدوا.

وفي رواية لابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، والطبراني في المعجم الكبير، وأبي نعيم في معرفة الصحابة جاء على الشك: عدوا من ورائكم أو ورائهم.
وهذا لا يغير شيئا من معنى الحديث، والجامع بين هذه الروايات كلها أن المسلمين والروم يكون لهم عدو واحد يقاتلونه جميعا قبل حدوث الملحمة الكبرى.
وأما بخصوص قائد المسلمين في هذه الملحمة ـ إن كان هذا هو المراد بالمسئول عنها ـ فلم نجد نصا صريحا فيه، ولكن صنيع بعض أهل العلم في تبويبهم وسردهم لعلامات الساعة يدل على أن قائد المسلمين في هذه الملحمة هو المهدي، فقد بوب الحافظ ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم لقتال الملحمة مع الروم، بعد أن بوب لذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان، وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، وذكر صاحب كتاب عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر حديث ذي مخمر في أخبار المهدي، وقال الشيخ حمود التويجري في إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة: وفي حديث ذي مخمر رضي الله عنه: أن الروم يقولون لصاحبهم: كفيناك حد العرب، ثم يغدرون ويجتمعون للملحمة ـ فدل هذا على أن الملحمة الكبرى تكون بين العرب والروم، والذين يباشرون القتال في الملحمة الكبرى هم الذين يفتحون القسطنطينية، وأمير الجيش الذي يفتحها في آخر الزمان عند خروج الدجال هو الممدوح هو وجيشه، كما تقدم ذلك في حديث عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ وتقدم في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ الذي رواه الخطيب في المتفق والمفترق: أن أمير الجيش إذ ذاك من عترة النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.

ولفظ حديث أبي هريرة كما ذكره الشيخ قبل ذلك: يجيش الروم على وال من عترتي، اسمه يواطئ اسمي، فيلتقون بمكان يقال له: العماق، فيقتتلون، فيقتل من المسلمين الثلث أو نحو ذلك، ثم يقتتلون يومًا آخر، فيقتل من المسلمين نحو ذلك، ثم يقتتلون اليوم الثالث، فيكون على الروم، فلا يزالون حتى يفتحوا القسطنطينية... .

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ولابن ماجه من حديث معاذ بن جبل مرفوعا: الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر ـ وله من حديث عبد الله بن بسر رفعه: بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ويخرج الدجال في السابعة ـ وإسناده أصح من إسناد حديث معاذ. اهـ.
وأما بالنسبة للخلافة: فإنها تعود يوم تعود على منهاج النبوية، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 36833.

وقد اختلف أهل العلم هل الخلافة المنتظرة على منهاج النبوة ستكون قبل ظهور المهدي، أم لا تكون إلا معه؟ وقد عقد الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم في كتابه فقه أشراط الساعة فصلا بعنوان: هل تعود الخلافة قبل ظهور المهدي؟ ليجيب فيه على سؤال: كيف سيكون حال الأمة قبل ظهور المهدي؟ وهل ستقوم الخلافة الإسلامية من جديد قبل المهدي؟ وذكر فيه خلاف أهل العلم في هذه المسألة على مسلكين:
المسلك الأول: ستزداد غربة الإسلام حتى يظهر المهدي.
والمسلك الثانى: ستقوم ـ بإذن الله ـ خلافة على منهاج النبوة قبل ظهور المهدي، أو على الأقل ستنهض الأمة نهضة شاملة، ولا يبقى إلا ظهور القائد. اهـ
وذكر أدلة كل فريقن، فارجع إلى الكتاب إن شئت التفصيل.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني