الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفريق بين صفة الكلام عموما ووصف القرآن

السؤال

إذا كان القرآن ليس قديما بقدم الله، بل تكلم به بمشيئته لما أنزله. فكيف أفهم بعض عبارات الأئمة السابقين في شأن القرآن، مثلا يقول أحدهم:
القرآن لم يزل الله به متكلما، الله تكلم بالقرآن في الأزل، أو في القدم، حروف القرآن قديمة، القرآن أول، أزلي، القرآن غير حادث، ولا محدث، ولا مخلوق. ومنهم من كفر من قال بحدوث القرآن.
كيف ينبغي لي أن أفهم هذه العبارات التي وردت في كلام العلماء السابقين؟ كيف تفسرونها لي لأفهمها جميعا؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلم ينقل عن إمام من أئمة السلف، القول بأن القرآن قديم العين، بمعنى أنه تكلم الله به في الأزل!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن أحدا من السلف، والأئمة لم يقل: إن القرآن قديم، وأنه لا يتعلق بمشيئة وقدرته. ولكن اتفقوا على أن القرآن كلام الله غير مخلوق. والمخلوق عندهم ما خلقه الله من الأعيان، والصفات القائمة بها. اهـ.
وما أوهم هذا المعنى من كلامهم، فإن المراد به صفة الكلام لا خصوص القرآن، ولذلك إنا نقول: الإشكال عند السائل يزول بالتفريق بين نوع الكلام وآحاده، فإن كلام الله تعالى قديم النوع، حادث الآحاد. وراجع في ذلك الفتويين: 54133، 132146.

وهذا يتضح أكثر وأكثر بالتفريق بين الصفات الذاتية، والصفات الفعلية، والصفات الذاتية الفعلية، ومنها صفة الكلام. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 35232.

ولمزيد الإيضاح والتأصيل في هذا الموضوع، يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 245443.

هذا بالإضافة إلى ما تقدم أن أجبنا به السائل قبل ذلك، على أسئلة له سابقة متعلقة بالموضوع نفسه، كالفتاوى التالية أرقامها: 161061، 323416، 307057.

ولمزيد الفائدة، فإننا ننبه على أن مذاهب الناس في مسألة الكلام كثيرة متشابكة، ولا يسلم منها إلا مذهب السلف، وضبطه يكفي المرء تشعب الخلاف وتشابكه.

ولبيان هذه المذاهب ننقل للسائل كلام ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية، حيث قال: افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال:

ـ أحدها: أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من معاني ... وهذا قول الصابئة، والمتفلسفة.

ـ وثانيها: أنه مخلوق، خلقه الله منفصلا عنه، وهذا قول المعتزلة.

ـ وثالثها: أنه معنى واحد قائم بذات الله، هو الأمر والنهي، والخبر والاستخبار، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة، وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه، كالأشعري وغيره.

ـ ورابعها: أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل، وهذا قول طائفة من أهل الكلام، ومن أهل الحديث.

ـ وخامسها: أنه حروف وأصوات، لكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلما، وهذا قول الكرامية وغيرهم.

ـ وسادسها: أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه، وإرادته القائم بذاته، وهذا يقوله صاحب المعتبر، ويميل إليه الرازي في المطالب العالية.

ـ وسابعها: أن كلامه يتضمن معنى قائما بذاته، هو ما خلقه في غيره، وهذا قول أبي منصور الماتريدي.

ـ وثامنها: أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات، وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات، وهذا قول أبي المعالي، ومن اتبعه.

ـ وتاسعها: أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء، ومتى شاء، وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم، وإن لم يكن الصوت المعين قديما. وهذا المأثور عن أئمة الحديث، والسنة. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني