الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تخفيف العذاب عن بعض الكفار.. رؤية شرعية

السؤال

ذكرتم في الفتوى رقم: 38266 أن تخفيف العذاب عن الكافر يوم القيامة، مرده إلى الله.
أرجو التفصيل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن ما يحصل في الآخرة لا يمكن الجزم فيه إلا عن طريق النص من الشارع، وبالنظر في عموم النصوص في الكتاب والسنة نجد أن بعض الكفار يخف عذابهم بسبب قلة شرهم، أو بسبب الشفاعة في بعضهم، كما قال تعالى: ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ* وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ { الأنعام: 131ـ 132}. وقال عز وجل: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {الأحقاف: 19}

وكما حصل لأبي طالب فإنه خفف عنه بسبب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى البخاري ومسلم عن الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنه قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ، وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ, وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ.

فأهل النار ليسوا على درجة واحدة من العذاب، بل هم متفاوتون فيها بحسب أعمالهم.

قال السعدي: ولكل ـ منهم ـ درجات مما عملوا ـ بحسب أعمالهم، لا يجعل قليل الشر منهم ككثيره، ولا التابع كالمتبوع، ولا المرؤوس كالرئيس، كما أن أهل الثواب والجنة وإن اشتركوا في الربح والفلاح، ودخول الجنة، فإن بينهم من الفرق ما لا يعلمه إلا الله. اهـ.

وفي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام: الكفار يتفاضلون في الكفر، كما يتفاضل أهل الإيمان في الإيمان، قال تعالى: إنما النسيء زيادة في الكفر. فإذا كان في الكفار من خف كفره بسبب نصرته، ومعونته، فإنه تنفعه شفاعته في تخفيف العذاب عنه، لا في إسقاط العذاب بالكلية، كما في صحيح مسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: قلت: يا رسول الله؛ فهل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك، ويغضب لك؟ قال: نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. وفي لفظ : إن أبا طالب كان يحوطك، وينصرك، ويغضب لك فهل نفعه ذلك؟ قال: نعم، وجدته في غمرات من نار فأخرجته إلى ضحضاح. وفيه: عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر عنده عمه أبو طالب، فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منهما دماغه. وقال: إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه. اهـ.

وفي شرح مختصر الروضة للطوفي: إن أهل النار فيها متفاوتون في المنازل، والدركات بحسب أعمالهم، كما أن أهل الجنة متفاوتون فيها في المنازل، والدرجات بحسب أعمالهم. كما قررته في «القواعد الصغرى». اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني