الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بر الأب لولده وتحريم ظلمه

السؤال

كثيرا ما نسمع عن بر الوالدين، فأردت أن أعرف هل هناك شيء من هذا القبيل، ولكن العكس كإحسان الوالدين للأبناء؟
فكثيرا ما أبكي وأظلم، وأضرب، ويؤخذ حقي من قبل الوالدين، أحيانا عندما نجلس في اجتماع الأهل، تقول والدتي بأنه لا داعي أن نجلس مع الرجال غير المحارم، علما بأنني أرفض وأعلم أن ذلك لا يجوز، لكن أمي ترفض، وترغمني على الجلوس، والتحدث معهم، ولو كان عليها الكذب أمامهم عن حياتي فقط من أجل أن يعجبوا بي.
وأحينا تضربني، وتأخذ ما عندي ولو كان قليلا، وتقول كلاما جارحا وقويا، وأي شيء أسال عنه والدتي لأني فتاة ولو كان غير خصوصي، تخبر الجميع بأنني غير محترمة، وأنا لم أعش يوما جميلا مع عائلتي كحال إخوتي، حتى الزواج لن يكون بموافقتي، وأغلب الظن أني سأرغم وإن كان من أجل المال، وإخوتي الكبار من بدأوا بالاعتماد على أنفسهم، لا يعيرون انتباها لغيرهم بسبب الحياة التعيسة، وغضب الوالدين دون سبب الذي عاشوها مع والدي.
وحدثت مشكلة كبيرة في المنزل، فقد علمنا أن والدي أخذ مصروف أخي الكبير بكامله، الذي يحصل عليه من عمله, وقال أخي لوالدي إنه لم يسعده قط، ولم يرتح قط في منزل والدي، و دائما ما يتم أخذ مالي الذي أتعب وأشقى لأجله، وأنه عندما يتزوج لن يعود وينظر إلى والدي، وإن اضطر لرؤيتهما فسيعيد لهما ما حدث في طفولته إلى رشده, كما قالت أختي الكبرى لوالدي بأنه يجدر بهما الإحسان إلينا، فإنهما لن يجدا أيا منا عندما تضيق الحياة بهما عند الكبر, وأعلم بأن والدي ينتظران أن أعمل من أجل المصروف الشهري، علما بأننا مظلومون كثيرا، ووالداي ليسا محتاجين وإنما دائما "وأكرر دائما" يفكرون بأنفسهم.
فأتمنى أن تشيروا إلى حديث، أو آية، أو جملة تدل على الإحسان للأبناء، وإن لم يكن من القلب، فقط من أجل ألا أظلم في الزواج، ولا يظلم إخوتي الصغار مثل ما ظلمت أنا وإخوتي الكبار.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فحقّ الوالدين على الولد عظيم، لكنّ ذلك لا يبيح لهما ظلم ولدهما، فالظلم محرم على كل أحد، وكلٌ مسؤولٌ أمام الله، فكما أنّ للوالدين حقوقا على أولادهما، فإن للأولاد حقوقاً على الوالدين، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ........ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسؤولٌ عَنْهُمْ. متفق عليه.
وفي صحيح ابن حبان عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بيته.

وقد ترجم البخاري في الأدب المفرد باب: ( باب بر الأب لولده ) عن ابن عمر قال: إنما سماهم الله أبرارا؛ لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالدك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حق. الأدب المفرد.

وإذا أمرت الأمّ، أو الأب بمعصية، فلا طاعة لهما، وإنما تكون الطاعة في المعروف، وليس من حقّ الوالدين إجبار ابنتهما على نكاح من لا تريد.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: لَيْسَ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَنْ يُلْزِمَ الْوَلَدَ بِنِكَاحِ مَنْ لَا يُرِيدُ، وَأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ لَا يَكُونُ عَاقًّا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ أَنْ يُلْزِمَهُ بِأَكْلِ مَا يَنْفِرُ عَنْهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَكْلِ مَا تَشْتَهِيهِ نَفْسُهُ، كَانَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ وَأَوْلَى؛ فَإِنَّ أَكْلَ الْمَكْرُوهِ مَرَارَةً سَاعَةً، وَعِشْرَةَ الْمَكْرُوهِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى طُولٍ يُؤْذِي صَاحِبَهُ كَذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ فِرَاقُهُ. مجموع الفتاوى.

وراجعي الفتوى رقم: 31582
وجمهور أهل العلم على أن الأب إذا كان في كفاية، فلا يحق له أن يأخذ شيئا من مال ولده بغير رضاه، والحنابلة يرون أن للأب أن يأخذ من مال ولده ولو من غير حاجة، لكن بشرط ألا يجحف بمال الولد، وانظري الفتوى رقم: 104517
لكن ننبه إلى أنّ حق الوالدين لا يسقط بظلمهما للولد، أو أمرهما له بمعصية، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك.
فالواجب عليكم بر والديكم، ولا يجوز لكم الإساءة إليهما بالقول أو الفعل، ولكن انصحوهما برفق وأدب، وانظري الفتوى رقم: 103139
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني