الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الأخ من أخواته اللاتي يكشفن وجوههن عند الخروج

السؤال

أحبتي هنالك سؤال دائمًا ما يضايقني، ويشغل تفكيري:
لا يخفى على أحد منا أنه مع تقدم الزمان، تزداد الفتن، ويضعف الناس، وتنتشر المعاصي، وأنا بطبيعة حالي غيور جدًّا على محارمي، حتى إني أحاول ما استطعت أن أوفر لهم ما يحتاجونه من الخارج دون أن يضطروا للخروج، ولكن من الأمور التي تضايقني وللأسف أصبحت أراه حتى في أخواتي، موضوع كشف الوجه، إلى فترة يسيرة ما كانت امرأة في الأسرة، بل وفي العائلة بأكملها تكشف وجهها، ولكن في الآونة الأخيرة تفشّى هذا عند بعض فتيات العائلة، أعلم أن هنالك خلافا فيه، ولكن -ولله الحمد- أني أحكم عقلي وأرى ما في زماننا من فساد وفتن، وضعف إيمان، وأن تغطية الوجه سواء الآن أم في وقت آخر هو الواجب فعله، بالإضافة إلى أن كشف الوجه في هذا الزمان عند أغلب الفتيات، ودعوني أتكلم عن من أعرفهن بحكم أن السؤال عنهن، كشف الوجه غالبًا أو دائمًا ما يصاحبه تبرج من روج، ومكياج، وما إلى ذلك سواء كان يسيرًا أم واضحًا جدًّا، وبما أني أخ، بل وأخ أصغر أيضًا لهن. فما علي هو النصيحة، وليست لدي سلطة بأن آمرهم بشيء، ولكني لا أعلم هل أكتفي بأن أنصحهن فقط، أم أخبر والدي حتى يتخذ هو الإجراء اللازم؛ لأنهن أمام والدي يتغطين لذا فهو لا يعلم، ولكن هنا أخشى أن يقسو والدي ربما، وربما لا يقسو، لا أعلم صراحة؟؛ لذلك أنا متردد، مع أني أرى أن التأديب حل، ولكن لا بد من نصيحة قبله، أو تذكير للشخص المخطئ، وهنا أنا لا أعلم ما سيفعله والدي، على أي حال ما أطلبه منكم -جزاكم الله خيرا- أن تدلوني على موقف صائب أتخذه، لأني أتضايق جدًّا جدًّا عندما يركبن معي ويكشفن عن وجوههن، وأحاول أن لا أراهن أثناء القيادة حتى لا أتضايق أكثر، والمصيبة أنه مع مرور الوقت يقل إنكاري لهذا الأمر، وهذا ما أريد أن أتداركه قبل فوات الأوان، وهنالك شيء آخر مهم يُرجى الإجابة عليه، هل لي في حال ما إذا أبين تغطية الوجه- علمًا بأني للأسف لم أحدثهن في هذا الموضوع حتى الآن - أعلم أنه بشكل عام ليست لي ولاية عليهن، ولكن هل لي بعد أن أنصحهن أن أمنعهن بهدوء من ذلك عندما يركبن معي في سيارتي؟
وشيء آخر: أريد منكم مشكورين ما تيسر مما تعرفونه من أحاديث صحيحة، وآثار عن من يصبر على فعل الطاعات، وترك المعاصي، خاصة وإن كان شابا؟
وجزاكم الله عن المسلمين خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنشكرك على غيرتك على محارم الله تعالى، ونحسب أن هذا دليل إيمان، فلا خير فيمن لا يغار على المحارم، نسأل الله عز وجل أن يجزيك خيرا.

وإذا كانت أخواتك يخرجن وعلى وجوههن شيء من الزينة، فيجب عليهن ستر وجوههن في هذه الحالة، ولا تعلق لذلك بالخلاف الوارد في حكم تغطية الوجه، فإن ذلك من الزينة التي أمر الله عز وجل بسترها.

قال الطاهر بن عاشور عند تفسيره قوله تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:60}: التبرج بالزينة: التحلي بما ليس من العادة التحلي به في الظاهر، من تحمير وتبييض، وكذلك الألوان النادرة. اهـ.

وإذا كان هذا في حق القواعد من النساء، فغيرهن أولى بالمنع. وبما أنك قد اطلعت منهن على هذا الفعل المنكر، فالأولى أن يكون منك النصح لهن، وإضافة إلى الإنكار عليهن، احرص على ما قد يكون سببا لزيادة إيمانهن، فإن الإيمان إذا استقر في القلب، سهلت الاستجابة لأمر الله عز وجل. فإن انتفعن بنصحك وانتهين، فالحمد لله، وإلا فهددهن بإخبار أبيك، عسى أن يكون ذلك رادعا لهن، فإن تم ذلك، فهو المطلوب، وإلا فأخبر أباك بالأمر.

وأبوك هو وليهن، فيجب عليه أن ينكر عليهن هذا التصرف، ويكون حازما معهن، ويأمرهن بالستر، ويمنعهن من الخروج على ذلك الحال، فإنهن أمانة عنده، يُسأل عنها أمام الله يوم القيامة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}.

قال الشيخ السعدي: أولادكم -يا معشر الوالدين- عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم، وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. اهـ.

وكون أبيك قد يقسو عليهن، أو لا يقسو، ليس بمانع شرعا من إخباره إن اقتضى الأمر ذلك، ثم إن القسوة قد تكون مطلوبة أحيانا، ورحم الله من قال:

فقسا ليزدجروا, ومَن يكُ حازمًا فليقسُ أحيانًا على من يرحم

وقد وردت نصوص كثيرة تدل على فضل التمسك بالدين، وعظم الأجر في ذلك، وخاصة عند فساد الزمان وغربة الدين، راجع فيها الفتوى رقم: 125470.

وبخصوص فترة الشباب خاصة، انظر الفتوى رقم: 197215. وروى أحمد عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليست له صبوة.
قال المناوي شارحا للحديث: إن الله تعالى ليعجب من الشابّ أي يعظم قدره عنده، فيجزل له أجره لكونه ليست له صبوة. أي ميل إلى الهوى، لحسن اعتياده للخير، وقوّة عزيمته في البعد عن الشر في حال الشباب، الذي هو مظنة لضدّ ذلك. اهـ. فيض القدير للمناوي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني