الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من قال لرجل: إنه عمل عمل قوم لوط

السؤال

شخص قذف أحدهم باللواط؛ لأنه ظهرت عليه علامات تدل على غلبة الظن أنه يمارس اللواط نتيجة مشاهدته يمارس مقدمات اللواط.
فهل يعتبر قذفه باللواط ظلما له نتيجة ذلك؟ ويحق للمقذوف التقاضي والدعاء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

ففاحشة اللواط كفاحشة الزنا، لا يجوز القذف بها، إلا بقيام نصاب الشهادة الشرعية بأربعة شهود.

جاء في الموسوعة الفقهية: يثبت اللواط بالإقرار أو الشهادة. وأما عدد الشهود، فقد قال جمهور الفقهاء: ينبغي أن يكون عددهم بعدد شهود الزنا، أي أربعة رجال. اهـ.
وفيها أيضا: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه إذا قال رجل لرجل: إنه عمل عمل قوم لوط، فإن ذلك يعد قذفا، وعليه حد القذف. اهـ. وانظر للفائدة الفتويين: 97927، 267475.
وقال ابن قدامة في المغني: كل زنا أوجب الحد، لا يقبل فيه إلا أربعة شهود، باتفاق العلماء؛ لتناول النص له، بقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: 4]. ويدخل فيه اللواط، ووطء المرأة في دبرها؛ لأنه زنا. اهـ.
وقال ابن الحاجب في جامع الأمهات: بينة الزنى وشرطها أربعة ذكور مجتمعين غير متفرقين يشهدون بزنى واحد ورؤية أنه أدخل في فرجها كالمرود في المكحلة ... واللواط كالزنى. اهـ.
والحكمة من هذا التشديد في الشهادة، بينها الماوردي في الحاوي، فقال: الشهادات تتغلظ بتغليظ المشهود فيه، فلما كان الزنا واللواط من أغلظ الفواحش المحظورة وآخرها، كانت الشهادة فيه أغلظ؛ ليكون أستر للمحارم، وأنفى للمعرة. اهـ.
ووجود القرائن والشبهات لا تبيح القذف بالفاحشة، بل إن رؤية ذلك رؤية يقينية، لا تبيح القذف بها حتى يكتمل نصاب الشهادة بالأربعة.

قال الإمام الشافعي: قال اللَّه تبارك وتعالى في القَذفَةِ: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}، فلا يجوز في الزنا الشهود أقل من أربعة، بحكم الله عزَّ وجلَّ، ثم بحكم رسوله صلى الله عليه وسلم.

فإذا لم يكملوا أربعة فهم قَذفَة، وكذلك حكم عليهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فجلدهم جلد القذفة، ولم أعلم بين أحد لقيته ببلدنا اختلافاً فيما وصفت، من أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة، وأنهم إذا لم يكملوا أربعة حُدُّوا حدَّ القذف، وليس هكذا شيء من الشهادات غير شهود الزنا. اهـ.
وقال ابن كثير في مقدمة تفسيره: سمى الله القذفة كاذبين فقال: {فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} [النور: 13]. فالقاذف كاذب ولو كان قد قذف من زنى في نفس الأمر؛ لأنه أخبر بما لا يحل له الإخبار به، ولو كان أخبر بما يعلم؛ لأنه تكلف ما لا علم له به. اهـ.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان: أجمع العلماء أن بينة الزنى لا يقبل فيها أقل من أربعة عدول ذكور، فإن شهد ثلاثة عدول، لم تقبل شهادتهم، وحدوا؛ لأنهم قذفة كاذبون؛ لأن الله تعالى يقول: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة}، ويقول - جل وعلا -: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم الآية} وكلتا الآيتين المذكورتين صريحة في أن الشهود في الزنى، لا يجوز أن يكونوا أقل من أربعة، وقد قال -جل وعلا-: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون}. وقد بينت هذه الآية اشتراط الأربعة كما في الآيتين المذكورتين قبلها، وزادت أن القاذفين إذ لم يأتوا بالشهداء الأربعة هم الكاذبون عند الله. ومن كذب في دعواه الزنى على محصن أو محصنة، وجب عليه حد القذف. اهـ.
وقال السعدي في قوله تعالى: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ: وهذا كله، من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه، من دون نصاب الشهادة بالصدق. اهـ.
ومما يؤكد ذلك أنه لا يمكن إثبات الفاحشة عن طريق الوسائل الحديثة، كالتحليل الطبي، والتصوير الضوئي. كما لا يدفع حد القذف بذلك أيضا، بل لا بد من الشهود الأربعة، وإلا فالحد.

وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء هذا السؤال: في حالة عدم توفر أربعة شهود لإثبات تهمة الزنا، وثبتت الجريمة أمام المحكمة على أساس شهادة طبيعية، وتقرير فاحص كيماوي، وتقرير أخصائي في بصمات الأصابع، وشهادة ظرفية، هل يعاقب المتهم في هذه الحالة أيضا بعقوبة القذف؟ ويبدو أن هذه قضية تفسير حر للآية القرآنية المتعلقة؟
فأجابت: لا يصح إثبات جريمة الزنا بما ذكر من التقرير الفاحص الكيماوي، وتقرير أخصائي في بصمات الأصابع وشهادة ظرفية، فإن ذلك إنما يفيد اجتماعا ومخالطة، ويثير التهمة، ويبعث ريبة في النفوس، ولا ينهض لإثبات الجريمة الموجبة للحد حتى يقام الحد على مرتكبيها، كما لا تنهض لدفع حد القذف عمن رمى المحصنين والمحصنات بجريمة الزنا، وإن الله تعالى أعلم بعباده، وأرحم بهم منهم بأنفسهم، ومع ذلك حكم بحد القذف على من قذف المحصنات، ولم يأت بأربعة شهداء، وهو سبحانه العليم الحكيم في تشريعه، ولو كان هناك ما يدفع حد القذف سوى ذلك لبينه سبحانه في كتابه، أو بالوحي إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان ربك نسيا، ولا يخفى على من له بصيرة بتشريع الله وحكمته، ما في حد القذف من القضاء على إشاعة الفواحش، وصيانة الأعراض وإغلاق أبواب الشحناء، وإنه لعظم الخطر في ذلك، لم يكتف سبحانه بأقل من أربعة شهود عيان، وهو العليم الحكيم. اهـ.
وحد القذف باللواط، كحد القذف بالزنا عند جمهور العلماء.

جاء في الموسوعة الفقهية: من قذف رجلا بعمل قوم لوط إما فاعلا أو مفعولا، فعليه حد القذف؛ لأنه قذفه بوطء يوجب الحد، فأشبه القذف بالزنا، وهذا قول الحسن والنخعي والزهري، ومالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأبي ثور. وقال عطاء وقتادة وأبو حنيفة: لا حد عليه؛ لأنه قذفه بما لا يوجب الحد عندهم. اهـ.
وعلى ذلك؛ فرفع القاذف للقضاء مشروع، ويجب أن يقام عليه حد القذف إذا لم يأت بالبينة الشرعية، وهي الشهود العدول. وكذلك الدعاء عليه هو الآخر مشروع، وينبغي أن يكون بقدر مظلمته، شأنه شأن كل من تعدى حدود الله وتعالى، فظلم نفسه وظلم غيره. وراجع الفتوى رقم: 253687.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني