الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مـيـزان يـوم الـقـيامة والـمـوزون

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي عن كيفية وزن الحسنات والسيئات يوم القيامة؟ وإذا إنسان عنده كبائر في الدنيا ولم يحد ولكنه تاب منها فهل توزن مع سيئاته؟ وهل لن يعاقبه الله تعالى عليها مهما عظمت وكثرت بعدالتوبة؟ ووزن الحسنات والسيئات بالنسبه للذي مات ولم يتب كيف يكون؟ وهل يمكن أن ينجو من دخول النار إذا كان عنده حسنات كثيرة؟
ولكم الشكر وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالميزان، وأنه ميزان حقيقي توزن به الأعمال، ولكن اختلف العلماء في الموزون ما هو؟ على ثلاثة أقوال: الأول: أن الموزون الأعمال نفسها، تجسم ثم توضع في الميزان، وهذا القول له أدلة كثيرة من صحيح السنة، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم في ما رواه البخاري وغيره: كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. الثاني: أن الذي يوزن هو العامل نفسه، فيثقل الإنسان في الميزان أو يخف، بمقدار إيمانه وعمله، لا لضخامة جسمه، ولهذا القول أدلته، منها: ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرءوا إن شئتم: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً [الكهف: 105]. الثالث: أن الذي يوزن إنما هو صحائف الأعمال، ودليل هذا القول ما رواه الترمذي وغيره من حديث صاحب البطاقة الذي تقابل بطاقته التي كتب عليها الشهادتان بسجلات عمله فتثقل البطاقة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة. وإلى كل قول مال جماعة من أهل العلم، ولا مانع من القول بمقتضى الأدلة كلها، فنثبت الوزن للثلاثة كما دلت عليه النصوص، وهذا ما رجحه الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في كتابه المشهور المسمى بمعارج القبول. وأما من كانت له ذنوب وتاب منها توبة صحيحة مستوفية لشروطها وأركانها، فإن الله عز وجل يمحو عنه ذلك الذنب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه. وأي ذنب تاب منه صاحبه توبة مقبولة غفر له ذنبه مهما عظم، حتى الشرك، فقد قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا [الزمر: 53]. وهذه الآية في الذنوب التي تاب منها صاحبها وعمومها يشمل الشرك. وأما من ارتكب ذنوبا كبيرة غير الشرك، ثم مات ولم يتب منها، فإنه تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 48]. ومن كانت له حسنات راجحة على سيئاته نجا بإذن الله تعالى وفضله. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني