الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس مطلوبًا من الغنيّ أن يحرم نفسه وأهله من الطيبات ليتساوى مع مَن ليس كذلك

السؤال

لست هنا لأبحث عن فتوى، ولكن لأبحث عن تعليق مقامكم الكريم: أعمل في إحدى دول الخليج منذ فترة، وقد مرت بي ظروف مادية سيئة، ومؤخرًا منّ الله عليّ ودفعت كل الدّيون التي عليّ، وتزوجت ورزقني الله فتاة ـ أسأل الله أن يجعلها في خدمة هذا الدِّين، ومن عباده الصالحين ـ فقررت أن أذهب في سياحة إلى تركيا، وقد شاهدت العجب من الناس المحتاجين -من السوريين وغير السوريين- وأوضاعهم المزرية مما يندى له الجبين، وحصلت لي حسرة وخوف من الله عز وجل، فكيف لي أن أستمتع وهناك أناس تعمل جلّ يومها لسد رمق أطفالها بمبالغ زهيدة؟ فكثير من الشباب يفنى عمره في العمل هنا بمبالغ لا تسد حاجتهم، والناس ينامون في الشوارع، وأنا الآمن في سربي، فشعرت بالذنب تجاه الله عز وجل، وأنني سوف أحاسب على سياحتي واستمتاعي، وقد كان بإمكاني التبرع بمبلغ السفر لإغاثة الكثير، وتذكرت من يموتون من البرد في مخيمات اللجوء، ومن يموتون في المعتقلات، أو من الجوع وأنا هنا أستمتع، وهناك حسرة بداخلي لا أظهرها لزوجتي؛ كي تبقى سعيدة، وهي التي ساندتني في لحظات فقري، وشعوري القاتل هو: لماذا أذهب إلى المطاعم والمقاهي، وابنتي تنعم بحياة جيدة ـ والحمد لله ـ وهنا فتاة تعمل من خطوط الفجر إلى آخر الليل في مقهى لتدفع إيجار غرفتها، فكيف سيحاسبنا الله؟ وهل من عمل أفعله يبرر موقفي ويكون لي حجة أمام الله؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن فاوت بين الناس في الأرزاق والمعايش، فجعل بعضهم غنيًّا وبعضهم فقيرًا، كما قال جل ذكره: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ {النحل:71}.

وليس مطلوبًا ممن وسع عليه في الرزق أن ينفق جميع ما بيده، أو أن يحرم نفسه وأهله من الطيبات التي أحلها الله تعالى له؛ ليساوي من ليس كذلك، ولكن المطلوب منه أن يؤدي ما وجب عليه في ماله من إخراج الزكاة الواجبة، والإنفاق على من وجبت عليه نفقته، وغير ذلك، ويستحب له استحبابًا أكيدًا أن يكثر من الصدقة، وبذل المعروف، والتوسعة على الفقراء والمحتاجين.

ومن ثم؛ فنصيحتنا لك هي أن تحرص على فعل ما أوجبه الله عليك في مالك، وأن تكثر من الصدقة على المحتاجين وذوي الفاقة، وكلما سددت خلة مسكين وقضيت حاجته، كان الله تعالى في قضاء حاجتك، والمال لا تنقصه الصدقة، بل تزيده، والله يضاعف لمن يشاء، فلا تمتنع عما أحل الله لك، وأباحه من الطيبات، ولكن لا تحرم نفسك ثواب الصدقة، وإعانة المحتاجين، وإغاثة الملهوفين، فإن ما تنفقه لك ولنفسك تقدمه، كما قال تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {سبأ:39}، وقال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ {آل عمران:92}.

والآيات والأحاديث في الحث على الصدقة، وبذل المعروف كثيرة جدًّا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني