الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من أجهضت جنينها المشوه بعد نفخ الروح

السؤال

منذ سنة كنت حاملا في شهري السادس، والطبيبة كانت تشك في أن جنيني مريض، ولكن لم تخبرني، وكنت أعرف أنه بخير، ومطمئنة.
بناءً على كلامها أجريت بالصدفة تصويرا ثلاثي الأبعاد عند طبيب صديق لوالدي، وأفاد بأن الجنين به تشوهات وعيوب خلقية خطيرة، ودليل ذلك أنني لم أحس بأي حركة، وكأنه لا يوجد جنين بداخلي. فذهبت لطبيب آخر مختص في علم الأجنة، وأجريت تصويرا آخر، أفاد بوجود مرض مميت يدعي Thanatophoric dysplasia، وذهبت لدكتور ثالث خبير أكثر منه، وأفاد بوجود نفس المرض، وحينها دعوت ربي كثيراً أن يكتب لي الخير أنا وجنيني.
وعندما أفاد الأطباء أنه لن يعيش بعد الولادة إلا دقائق، كنت في بداية السابع؛ فقمت بعملية قيصرية، كنت مغيبة ومعتمدة على كلام الأطباء، واعتقدت أن الطفل يتألم داخلي و أنا أمٌّ، لم أتحمل، وسلمت أمري لله، وولدته، وبالفعل مات وانقضى الأمر. وعندما بحثت على المواقع وقرأت الفتاوى -للأسف- وجدت ما لم أحسب له حسابا، وهو أنني قمت بقتله، وشاركت في جريمة، لم أسامح نفسي لحظة منذ أن عرفت؛ لأنني كنت أعرف أن الإجهاض حرام بعد نفخ الروح، ولكن من جهلي كنت أحسب أن حالتي يسمح فيها الولادة قبل الميعاد إذا كان الجنين لن يعيش حفاظاً على الأم من أن يموت ابنها في بطنها، أو تبقى في تعب وألم حتى ميعاد الولادة التام؛ فتصرفت وفقا لعقلي، وما قاله من حولي حتى شيخ الجامع أجاز ذلك، وقال بما أنه سيموت فلا مانع، والآن أشعر أنني انتزعت الحياة من طفلي، وأنني ارتكبت جرما، أخاف أن أحاسب عليه أمام الله عز وجل أنا وأهلي وزوجي، وأخاف أن أقضي عمري كله في حسرة وألم كلما تذكرت.
أفيدوني ماذا أفعل؛ لكي أخفف عبء الذنب عن عاتقي كيف أتوب إلى الله؟ وما الواجب علي فعله دية أم كفارة أم ماذا؟
أنا أعيش في مصر. أرجو توضيح حكم الدين وما علي فعله بالضبط.
وشكراً وآسفة على الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالإجهاض بعد نفخ الروح محرم بالإجماع؛ لأنه قتل بغير حق للنفس التي حرم الله، ولا يجوز الإقدام عليه إلا في حالتين: الأولى: إذا كان الحمل يشكل خطرا محققا على حياة الأم، ولا يثبت ذلك إلا بتقرير من طبيب مأمون، موثوق بخبرته.
والثانية: إذا مات الجنين في بطن أمه.
والظاهر من السؤال أن أياً من هذين السببين لم يكن موجودا في حالة السائلة، وبالتالي لم يكن يحل لها أن تجهض جنينها. ولكن نرجو ألا تكون آثمة لما ذكرته من حالها! حيث قالت: (كنت مغيبة، ومعتمدة على كلام الأطباء واعتقدت أن الطفل يتألم داخلي .. ومن جهلي كنت أحسب أن حالتي يسمح فيها بالولادة قبل الموعد إذا كان الجنين لن يعيش ... ) إلى آخر ما قالت.
ومع عدم الإثم، يبقى النظر فيما يترتب على الإجهاض من حقوق وأحكام أخرى، وهي الدية والكفارة، فقد اتفق الفقهاء على أن الجنين:

إذا انفصل عن أمه ميتا، فديته غرة، وهي عبد أو أمة يبلغ مقدار قيمتها عشر دية أمه. وأما الكفارة -وهي: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين - ففي وجوبها حينئذ خلاف بين أهل العلم، فأوجبها الشافعية والحنابلة، خلافا للحنفية والمالكية.

وأما إذا انفصل الجنين حيا، ثم مات، ففيه الدية والكفارة عند الجميع.

والكفارة إذا وجبت فإنها تجب على كل من شارك في الإجهاض، كالمرأة والطبيب المباشر للعملية، لتعلقها بحصول القتل، وراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 347347، 134215، 359458.

وأما الدية فإن مستحقها هم: ورثة الجنين غير الجاني عليه بالإجهاض، فالمستحق هنا والد الجنين، فإن تنازل عن الدية سقطت.

ولكن الظاهر من قول السائلة: (أخاف أن أحاسب عليه أمام الله عز وجل أنا وأهلي وزوجي) أن هذا الإجهاض حصل بعلم الزوج وإذنه، فإن كان كذلك، فالراجح أن الدية تسقط ولا تجب أصلا؛ لأن مستحقها (الزوج) شارك في التعدي على الجنين بإذنه في الإجهاض، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 150549.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني