الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

وقعت في مشكلة، وأريد أن أعرف حلها من حضراتكم.
بدأت في تجارة أنا وشريك لي منذ خمس سنوات، وبدأت أنا وشريكي بتجميع مبالغ مالية من بعض الناس والأقارب، وأعطيناهم أرباحا بما يرضي الله.
استمر الحال على هذا الوضع أربع سنوات، وبعد ذلك تركت العمل؛ لانشغالي بأشياء أخرى، وأبلغت الناس أني سأترك العمل، وسألتزم بالحسابات وتوزيع الأرباح فقط، وشريكي سيقوم بأداء التجارة. بعد ذلك أبلغني شريكي بأن كمية التجارة زادت، وأنه يحتاج لرأس مال أكبر؛ فبدأت بتجميع أموال من بعض الأصدقاء والأقارب، وأعطيتها له.
خلال السنة الخامسة بدأ شريكي بإعطائي أرباحا في موعدها، وازداد رأس المال في التجارة بصورة كبيرة، وكنت أجعل لنفسي نسبة من هذه الأرباح، وكنت أتركها معه في التجارة.
منذ حوالي شهر، اتصل بي شريكي، وأعلمني أن رأس المال قد سرق منه بالكامل. وبعد أن ضغطنا عليه، اعترف أنه منذ سنة بدأت التجارة بالخسارة، وبدأ يأخذ من رأس المال نسبة، ويعطيها لي حتى أعطيها للناس كربح، وأنا لا أعلم أن التجارة قد توقفت.
استمر هذا الحال معه لمدة سنة حتى انتهى رأس المال بالكامل في صورة أرباح لأصحابه، وأنا لا أعلم. وكنت أخبر الناس أن التجارة جيدة، ولا مشاكل فيها، وأن المبالغ التي تأخذونها هي أرباح التجارة.
بعد ذلك تقدمت ببلاغ ضد شريكي، وتم سجنه، وبعد إخلاء سبيله بضمان محل إقامته، هرب، وحكم عليه غيابيا بالسجن ثلاث سنوات.
بعد ذلك أعلمت الناس بما حدث؛ لأني أنا المسؤول أمامهم، وكان التعامل يتم من خلالي أنا، وبدؤوا يطالبونني بأموالهم.
الآن أريد أن أعرف موقفي في هذا الموضوع، وحقوق الناس علي. وهل هناك ربا إذا سددت لهم الأموال بالكامل؟ ولم تكن هناك تجارة أصلا في السنة الأخيرة؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمسائل النزاعات والمناكرات، ليست في الحقيقة من مسائل الفتوى، بقدر ما هي من مسائل القضاء، فإنه غالبا ما يكون فيها مناكرات ودعاوى، ويحتاج الأمر فيها لسماع جميع أطرافها، وإلا خفي من حقائقها ما يؤثر في الحكم عليها.

وقد ذكر السائل أنه جعل لنفسه نسبة من أرباح الأموال التي جمعها من أصدقائه وأقاربه، وأعطاها لشريكه ليضارب فيها، ولم يذكر هل حصل ذلك بإذن صريح أو ضمني من أصحاب الأموال، أم لا؟ كما لم يذكر هل أخذها على سبيل المشاركة في نسبة ربح المضاربة، أم على سبيل الوكالة، والأجرة على توصيلها للمضارب، أم على سبيل السمسرة والعمولة؟ وهل ستكون هذه النسبة من سهم شريكه المضارب فقط، أم من سهم أصحاب رؤوس الأموال فقط، أم من جملة الأرباح؟!

ولذلك فالأمر يحتاج إلى مجالس القضاء أو التحكيم، أو على الأقل إلى مشافهة أهل العلم؛ ليقفوا على تفاصيلها.
وعلى أية حال، فإنا نقول على وجه الإجمال الذي لا يصح الاعتماد عليه في الحكم: إن كان أصحاب رؤوس الأموال دفعوها للسائل على سبيل المضاربة، ثم هو أخذها ودفعها لمضارب آخر -وهو شريكه القديم- فإن هذا لا يصح إلا بإذن صريح أو ضمني من أصحاب رؤوس الأموال، وإلا فهو ضامن للمال إذا تلف أو خسر.
وأما إن كان السائل مجرد وسيط بينهم وبين المضارب، فإنه لا يضمن المال، ولكن لا يجوز له أن يأخذ النسبة المذكورة إلا بعلم من يدفعها من نصيبه. وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 226606، 132006، 106729.
وأمر آخر ننبه عليه: وهو أن هذا الشريك ما دام لم يتاجر في المال حقيقة، وإنما كان يعطيهم أرباحا من أموالهم ذاتها، فعليهم أن يحتسبوا ذلك من أصل المال، ولا يطالبوا إلا بما يتمم لهم رؤوس أموالهم فقط. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 223750.
وأمر أخير ننبه عليه: وهو أن يد المضارب يد أمانة، فلا تضمن الخسارة إلا بالتعدي أو التفريط، فما حصل من خسارة بغير تعد ولا تفريط، فهي على أصحاب رؤوس الأموال، ويخسر المضارب جهده فقط. وراجع في ذلك الفتويين: 5480، 50829.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني