الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم وصف رفع صوت المسجِّل بالقرآن بالإزعاج

السؤال

ذات مرة كنت أشغل القرآن في غرفتي بصوت مرتفع، فكان يصل إلى أخي الأكبر، فجاء وقال لي ما معناه: إنه لا يريد إزعاجًا، فنهيته عن قول: إزعاج باعتبار أنه قرآن، ولكنه لم يعتبر كلامي، ولا أظنه متعديًّا، وإنما يقصد أن أي صوت بجواره يزعجه، وإني أظن فيه ما ليس في نفسه؛ فلهذا أظنه ما استمع لي، ولا أظنه يتجرأ على القرآن، لكن هل في قوله هذا منكر، يجب عليّ إنكاره؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأمر كما أشارت إليه السائلة، فأخوها لم يقصد القرآن ذاته، وإنما قصد رفع الصوت به، وهذا أمر ينبغي تجنبه، ومراعاة أحوال الناس فيه، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس وهم يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: إن المصلي يناجي ربه عز وجل، فلينظر ما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. رواه أحمد، ومالك في الموطأ.

قال الكرماني في شرح مصابيح السنة: أي: لا يَغْلِبْ، ولا يُشوِّشْ بعضُكم بعضًا، جاهرًا بالقراءة. اهـ.

وقال الباجي في المنتقى: لأن في ذلك إيذاء بعضهم لبعض. اهـ.

وقال المباركفوري في مرعاة المفاتيح: ذلك يؤذي، ويمنع من الإقبال على الصلاة، والنهي يتناول من هو داخل الصلاة وخارجها. اهـ.

وقال الشيخ عبد الكريم الخضير في شرح الموطأ: لأن فيه أذىً، يؤذي بعضهم بعضًا بالجهر، يقطع عليه قراءته، وبعض الناس يتشوش عند أدنى شيء. اهـ.

فانظري كيف عللوا ذلك بكونه إيذاءً وتشويشًا، وبالطبع لا يقصدون بذلك القرآن ذاته، وإنما الجهر والتشويش على الآخرين! قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري: ما لا حاجة إلى الجهر فيه، إن كان فيه أذى لغيره ممن يشتغل بالطاعات، كمن يصلي لنفسه ويجهر بقراءته، حتى يغلط من يقرأ إلى جانبه أن يصلي، فإنه منهي عنه. وقد خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة على أصحابه وهم يصلون في المسجد، ويجهرون بالقراءة، فقال: "كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". وفي رواية: "فلا يؤذ بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة". اهـ.

وراجعي للفائدة الفتويين: 53293، 121530.

والمقصود أن أخا السائلة لم يرتكب منكرًا يجب عليها إنكاره، وإن كانت عبارته ليست على المستوى المطلوب في مثل هذا الوقف، فقد كان الأفضل والأولى به أن يتخير من الألفاظ ما يناسب المقام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني