الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب صون كل ما عليه كلام الله وعدم امتهانه

السؤال

كنت في المدرسة، وكانو يفرزون الكتب ليعطوها للطلاب، والكراتين التي فيها الكتب عليها ورقة باسم الكتاب وشكله، وكان من ضمن الكتب التي استلمناها كتاب تفسير، وكان من الرسومات التي عليه صورة القرآن وسورة الفاتحة، وهكذا، وهذه الكراتين ملقاة في زاوية، وأعتقد أنه قد يكون رسم شكل كتاب التفسير على بعض هذه الكراتين، فانتظرت حتى نخرج من المدرسة حتى أذهب لتلك الزاوية، وأبحث عن هذا الكرتون، ولكن عندما خرجنا وجدتهم رموها في صندوق القمامة الكبير ( علما أنني كان بإمكاني الذهاب في فترة الفسحة لكن لم أذهب حتى لا يسألوني ماذا أفعل )، وعندما خرجت وجدت صندوق القمامة ممتلئا، ولكن لم أبحث فيه؛ لأني لا أعرف ربما تكون هذه الكراتين في أسفل الصندوق، وفوقها كراتين أخرى، فلا أستطيع الوصول إليها؟ فما حكم ما فعلت؟ وهل فعلت شيئا من المكفرات؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن احترام كلام الله سبحانه وعدم تعريضه للامتهان، واجب شرعي، كما قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ {الحج: 30}. وقال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج: 32}.

فعلى المسلم تعظيمه واحترامه وصونه من كل ما يشي بامتهان وازدراء، فلا يترك مرميًّا، بل لا ينبغي أن يكتب أصلا على الكراتين ونحوها مما يمكن أن يرمى أو يداس ولا يصان.

وعليه؛ فكتابة سورة الفاتحة أو غيرها من الآيات على الكراتين خطأ جسيم، ولا حاجة إليه، فينبه القائمون على المدرسة إلى ذلك حتى يتفادى فيما يستقبل.

وأما ما ذكرت فلا إثم عليك فيه، بل لك الأجر على نيتك وعزمك أن تحفظ ما رأيت خشية أن يلقى ولا يصان، ولا يلزمك البحث والتفتيش بداخل الحاوية؛ نظرًا لما في هذا من الكلفة، والحرج، والمشقة البالغة، ومثل هذا منفي في الشريعة، كما قال تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ {المائدة:6}، وقال سبحانه: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره. رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني. كما يحتمل ان يكون ما رأيته ملصقاعلى الكراتين من الفاتحة وغيرها قد أزاله من تولى رميها.

وفي فتاوى نور على الدرب أنه قيل للعلامة ابن عثيمين: فضيلة الشيخ، يكثر في أماكن تجمعات الطلاب بعض الأوراق التي تحمل لفظ الجلالة أو اسم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والبعض يرميها غير مبال بها، فهل يتعيّن على كلّ شخص أن يضع هذه على الأرض أو أن يحملها، وإن كانت كثيرة ومبعثرة على الأرض أين توضع إن لم يجد مكانًا مناسبًا لها؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر لي: أنه لا يلزم كلّ إنسان وجد قراطيس في الأرض أن يأخذها ويفتشها، وينظر هل فيها آية أو حديث؟ لأن هذا شاق، نعم لو رأى بعينه أن في هذه القرطاسة آية من كتاب الله، أو حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فحينئذ يأخذه، ولكني أنصح إخواني الذين يلقون هذه الأوراق أن يتفقدوها قبل إلقائها، فإذا وجدوا فيها آية أو حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمسكوا بها وأحرقوها، والنار تأكل ما وضع فيها، وأن لا يتهاونوا في هذا الأمر. اهـ.

وعلى هذا؛ فتركك للبحث في الحاوية ليس من الكفر، بل لا إثم عليك فيه، ولك أجر النية والعزيمة على حفظ ما رأيت على الكراتين وصيانته، وإن حال بينك وبين ذلك حائل. فقد عدت ولم تجدها بمكانها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني