الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم طلب المال ممن نصب نفسه لإعانة المحتاجين

السؤال

أنا شاب مقبل على الزواج، لا أملك عملا حاليا، رغم حصولي على شهادات عليا. المشكلة أنه في بلدي الجزائر لا توجد منازل للكراء مضمونة، وإن وجدت تكون بغير ضمانات قانونية. فالمواطنون يأبون احترام القانون، وما ينجر عنه من تعسف أصحاب المساكن، والمغالاة في أسعار الكراء. وعليه، فإن الحصول على سكن أصبح أمرا لا غنى عنه. علما أنني لا أملك حتى غرفة لنفسي في بيت أبي، فنحن عائلة ميسورة الحال.
وفي موضوع الحصول على سكن، فإن الأمر يكاد يكون مستحيلا؛ لأن الصيغ المتوفرة كلها ربوية، والحصول عليها يكاد يكون من سابع المستحيلات، وشراء منزل أو شقة شراء مباشرة لا يتأتى إلا لفئة معينة من المجتمع.
الحمد لله، فقد منَّ الله علي بمصاريف الزواج، لكن إشكال السكن سيبقى هاجسا ومشكلا، لا يمكن التخلص منه، خاصة مع مغالاة أصحاب العقارات في طلب أسعار تكاد تكون خيالية، فمعظمها فاق أسعار المساكن في أرقى المدن الأوروبية. سمعت مؤخرا أنه توجد مواقع لجمع تبرعات.
فهل يجوز جمع تبرعات عن طريق هاته المواقع لشراء قطعة أرض، علما أنه قد فتح الله علي بقدرة العمل بيدي في شتى المجالات، وأن عملية البناء لن تتعبني كثيرا وإن طالت.
فهل يجوز جمع تبرعات لهذا الغرض، وبنية التصدق بما يوازي المبلغ جملة أو تفصيلا عند القدرة على هذا الأمر.
بارك الله لكم في هذا الموقع وإدارة الموقع.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجمع التبرعات عن طريق المواقع المذكورة، نوع من أنواع سؤال الناس، والأصل فيه المنع، إلا إذا اضطر المرء أو احتاج حاجة ملحة لا يجد لها وفاءًا إلا بالسؤال! وراجع في ذلك الفتويين: 150749، 333466. ولمزيد الفائدة، يمكن الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 17909، 20195، 239278.
ويبقى النظر هنا في تحقق هذا الضابط في حق السائل، وهل الأحوال التي ذكرها عن منازل الكراء وظروف السكن، وعدم قدرته على شراء أرض ليبني عليها بيتا يتزوج فيه، هل هذا كله يوفر له حد الحاجة التي تبيح السؤال؟

والجواب: أن ذلك محل نظر وتردد، والذي يظهر لنا أن هذه المواقع إن كانت قد قامت لهذا الغرض ونحوه، وتعامل معها السائل بصدق وأمانة، فلم يكذب ولم يبالغ، ووجد من يتبرع له بخصوص غرضه، فلا حرج عليه في ذلك، تنزيلا لهذه المواقع منزلة من نصب نفسه لمساعدة المحتاجين، فإنه يجوز إخباره بالحال ليرى هل هو محلا للتبرع أم لا.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب، هذا السؤال: هل يجوز للشاب الفقير الذي لا يملك مئونة وتكاليف الزواج، هل يجوز له أن يتلقى المساعدات من أهل البر والخير؛ لكي يستعين بها بنية الزواج، أم أن هذا يدخل في باب السؤال؟
فأجاب الشيخ: إن سأل فمن باب السؤال، إن ذهب إلى الناس يستجديهم، ويقول: أعطوني لأتزوج، فهذا من باب السؤال المذموم؛ لأن الله يقول: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم»، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: فليستعن بإخوانه، أما إذا كان يريد أن يسأل من نصب نفسه لإعانة المتزوجين، فهذا لا بأس به؛ لأن هذا السؤال معناه الإخبار عن حاله فقط. ثم إن الموجه إليه السؤال ممن نصب نفسه لمساعدة المتزوجين فلا بأس؛ ولا يعد هذا من المسألة المذمومة. وكذلك أيضاً لا حرج أن يتقبل التبرعات ممن علم بحاله؛ لأنه لم يقع عن سؤال؛ بل إن له أن يتقبل الزكوات؛ لأن صرف الزكاة للفقير الذي يريد أن يتزوج ويعف نفسه جائز. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني