الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من شك في صحة الإسلام وجوّز أن يكون غيره هو الحق في نفس الأمر عند الله تعالى

السؤال

لو أن شخصًا يؤمن بالله، ويدين بالإسلام، ويؤدي واجباته من صلاة، وصوم، وغيرهما، ويمتنع عن نواهيه من سرقة، وزنى، وغيرهما، ويتمتع بمكارم الأخلاق، ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، لكنه في الوقت ذاته تراوده بعض الشكوك، فهو يرى أن وجود بعض الشكوك لا يقدح في صحة إيمانه؛ لأن الإيمان قائم في المقام الأول على التسليم والتصديق بالقلب، فهو عملٌ قلبيٌّ محض، تدعمه أدلة عقلية، ونصوص توارثناها وتلقيناها بالقبول عبر الأجيال، دون أن نكون شاهدين عليها؛ ومن ثمَّ اختار الإسلام دِينًا، وصدَّق به؛ لأنه يرى أنه الدِّين الأقرب إلى الحق، وإلى القلب، والعقل، والمنطق، لكنه في الوقت ذاته يرى أن اليقين الجازم قد يكون صعب المنال؛ لأن كثيرًا مما نؤمن به من الأمور الظنية والغيبيات التي لم نلمسها بعد، والتي صدَّقناها بقلوبنا دون أعيننا، وأن الله وحده هو من سيفصل بيننا يوم القيامة فيما كنا فيه نختلف، ويرى أن ما يسعه فعله هو اختيار الدِّين الأقرب إلى الحق، وإلى قلبه، والإيمان والتصديق به، وأداء واجباته، والامتناع عن نواهيه، ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، حتى يكشف الله لنا الحقيقة بجلاء يوم القيامة؛ لأن الله وحده هو من يملك الحقيقة المطلقة دون سواه، وسؤالي هو: هل يجوز لهذا الشخص أن يتزوج من امرأة مسلمة؟ أم إن وجود مثل هذه الشكوك يقدح في صحة إيمانه، ومن ثم؛ فلا يجوز له الزواج من أيِّ امرأة مسلمة؟ فقد قرأتُ أن الشخص الذي تلازمه الشكوك ينفسخ عقد نكاحه، ولا يصح زواجه من امرأة مسلمة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فها هنا أمران لا بد من التفريق بينهما:

أولهما: أن تكون تلك الشكوك المذكورة مجرد خواطر تغلب هذا الشخص وهو كاره لها، نافر منها، عالم أنها خلاف الحقيقة، ثم هو في قرارة نفسه جازم جزمًا متيقنًا أن الإسلام هو دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده، والذي لا دين له سواه، فهذا لا تضره هذه الشكوك، ولا تؤثر في إيمانه، بل ما دام كارهًا لهذه الشكوك، نافرًا منها، فهو على خير، وكراهته لها ونفوره منها دليل صحة إيمانه، وعليه أن يدافع تلك الشكوك، ويسعى في التخلص منها، ولتنظر الفتوى رقم: 147101.

وثانيهما: أن يكون قد ركن إلى تلك الشكوك بحيث صار غير متيقن صحة دين الإسلام، غير جازم بأنه دين الله الحق، وإنما يرجح ذلك مجرد ترجيح مع تجويزه أن يكون الحق عند الله في نفس الأمر خلاف ما رجحه واعتقده، فهذا -والحال ما ذكر- كافر مرتد -عياذًا بالله- لا يجوز تزويجه، ولا الصلاة عليه إذا مات، ولا دفنه في مقابر المسلمين. وانظر الفتوى رقم: 56097.

قال في شرح الإقناع فيما يوجب الردة: (أو لم يكفر من دان) أي: تدين (بغير الإسلام، كالنصارى) واليهود (أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم) فهو كافر؛ لأنه مكذب لقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران:85]. انتهى.

ولا ينفع هذا الشخص صلاته، وصومه، وقيامه ببعض شعائر الإسلام؛ إذا كان شاكًّا في صحته، غير جازم بذلك، مجوزًا أن يكون غيره هو الحق في نفس الأمر عند الله تعالى، وما زعمه من كون ما جاء به الإسلام أمورًا غيبية، لا يمكن الجزم بصحتها، باطل كل البطلان، فقد بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وشاهده الناس، وكلموه، وكلمهم، ونقلت إلينا أخباره بالتواتر، وأيده ربه بالمعجزات الباهرة، والحجج القاهرة، والآيات الظاهرة، وجعل دلائل صدقه في متناول من طلبها جمة متوافرة، وأنزل عليه كتابًا تحدى به الخلق جميعًا أن يأتوا بمثله، فعجزوا عن بكرة أبيهم، وما زال سبحانه يؤيده، وينصره على عدوه، ويظهر دينه على الدين كله؛ حتى عرف كل ذي عقل صدقه، وصحة ما بعث به بأدنى تأمل، فلما دل اليقين القاطع على صدق هذا الرسول؛ علمنا أن كل ما أخبر به من الغيب هو حق لا شك فيه، ولا شبهة تعتريه، فمن أصابه أدنى شك في صحة رسالته بعد وضوح الدلائل، فليس هو من جملة المسلمين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني