الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يحق لمن خسر بسبب أعمال الطرق المطالبة بتعويض؟

السؤال

أقمت مشروعًا على عقار استأجرته لمدة عشرة سنوات، وكلفني المشروع 2.5مليون ريال، وبعد خمس سنوات أقامت البلدية حفريات، وإغلاقًا للشوارع، وتحويلات مرورية أمام مشروعي تسبب في تدني الإيرادات إلى النصف، والحفريات لا زالت قائمة منذ سنة، ولن تنتهي قريبًا، وخسارتي مستمرة، فهل من حقي طلب تعويض من البلدية ومحافظة المدينة على الضرر؟ وعن أي ضرر أطلب التعويض؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فحقيقة الضرر المذكور في السؤال ترجع إلى عدم الربح، وفوات الكسب، وهذا ليس إتلافًا لمال موجود، ولا تفويتًا لمعدوم انعقد السبب الموجب لوجوده، فقد تكسد التجارة دون هذه الحفريات، والإغلاقات، وقد تقل المبيعات لأسباب أخرى غير ذلك! والضمان لا يلزم بمجرد الاحتمال، وإنما يكون بإتلاف مال متحقق، أو منفعة متقومة، والإتلاف إما أن يكون لما وجد فعلًا، وإما لما لم يوجد، ولكن انعقد سبب وجوده القطعي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى: الإتلاف نوعان: إعدام موجود، وتفويت لمعدوم انعقد سبب وجوده، وهذا تفويت. اهـ.

ولذلك لم تنص كتب الفقه الإسلامي على التعويض بسبب تفويت الفرص؛ لكون ذلك مجرد احتمال، فلا يوجب الضمان! قال الدكتور محمد بو ساق في مبحث (الضرر الناشئ عن تفويت فرصة) من رسالته للماجستير (التعويض عن الضرر في الفقه الإسلامي ص: 125، 126): المعروف أن هذا النوع من الضرر لم يذكره فقهاء الشريعة الإسلامية، وليس ذلك عن نسيان منهم، أو أنه كان غير موجود في العصور السابقة، وما ذلك إلا لأنهم لم يروه مستوجبًا للضمان. وقد أوجبت القوانين الوضعية إلزام من فوّت على أحد فرصة بالتعويض ... ومن غير شك أن الروح المادية التي سيطرت على رجال القانون الوضعي، جعلتهم يقررون التعويض المالي مقابل أضرار وهمية في بعض الأحيان، وهو ما يؤدي حتمًا إلى أكل أموال الناس بالباطل، الأمر الذي جعل هذا التضمين يتنافى مع شريعة الإسلام الخالدة. فالفقهاء المسلمون باتفاق، يرون أن أساس التعويض المالي قائم على جبر الضرر؛ وذلك بإحلال مال محل مال فاقد مكافئ؛ لرد الحال إلى ما كانت عليه إزالة للضرر، وجبرًا للنقص. ومعلوم أن تفويت الفرصة – كما يراها رجال القانون الوضعي – لم يفقد فيها المتضرر مالًا قائمًا، وحتى احتمال فقد المال نتيجة لتفويت الفرصة احتمال ضعيف جدًّا؛ لوجود احتمالات شتى معاكسة لاحتمال حدوث الضرر، ويختلف الأمر فيما لو وقع فعلًا بتفويت الفرصة ضياع مال، وتحقق ذلك قطعًا من غير توهم، أو احتمال ضعيف، فمن حق من ضاع ماله في هذا الحال أن يطالب بتعويض ما لحقه من ضرر بتفويت الفرصة عليه. اهـ.

وعلى أية حال؛ فبإمكان السائل رفع شأنه للمحكمة الشرعية؛ لتنظر في شأنه، وحقيقة ما وقع له، وتقف على تفاصيل مشروعه؛ لتقرر حقيقة الضرر الواقع عليه ونوعه، وهل يوجب الضمان أم لا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني