الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

متى يجوز للمرء القادر على الكسب المسألة؟

السؤال

أعلمُ الحكم الشرعي فيما يخص سؤال المال من الناس، وأن هناك أحاديث تنهى عن ذلك، لا سيما إذا كان تكثرًا، أو لغير حاجة، أو في حال إشراف النفس، أو التمني، فهل هذا الحكم ينطبق على المحارم؟! أي: هل يجوز لشخص أن يطلب مالًا من أخيه أو أخته، تكثرًا، أو توسعًا في أمرٍ ما، أي: دون حاجة ماسّة؟ فهل هذا يدخل في حكم سؤال الناس دون حاجة؟ وهل هذا المال يكون سحتًا أو حرامًا عليه؟ علمًا أن العلاقة بين هؤلاء الإخوة طيبة جدًّا، ولا مانع لدى الأخ والأخت من إعطاء أخيهما أيّ مال يريده، عن طيب نفس، بل يحبان هذا، ويحثانه عليه، حتى لو لم تكن لديه حاجة ماسّة لهذا المال. باختصار: ما حكم المال الذي يطلبه هذا الشخص من أخيه أو أخته؟ وهل هذا يدخل في حكم سؤال الناس من غير حاجة؟! وإذا أعطياه مالاً دون أن يسألهما، ولكنه كان يستشرف ذلك، أو يتمناه، فهل يجوز له أخذ هذا المال، أم يكون سحتًا أو حرامًا عليه، لأنه كان يستشرفه، أو يتمناه، حتى وإن لم يكن قد سألهما إياه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

ففي ضوء الأسئلة السابقة للأخ السائل، نخشى أن يكون استشكاله هذا من أثر الوسوسة، وأن حاله لا تستدعي هذا التشديد، ولا سيما وسؤال الناس – فضلًا عن الأقارب - عند طائفة من أهل العلم، لا يحرم، إلا إذا كان مع إذلال النفس، أو الإلحاح في المسألة، أو إيذاء المسؤول، قال النووي في شرح مسلم: اختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين: أصحهما: أنها حرام؛ لظاهر الأحاديث. والثاني: حلال مع الكراهة، بثلاث شروط: أن لا يذل نفسه، ولا يلحّ في السؤال، ولا يؤذي المسؤول، فإن فقد أحد هذه الشروط، فهي حرام بالاتفاق. اهـ.

وظاهر من كلام السائل أن هذه الشروط مجتمعة فيه، ومن ثم؛ فلا يحرم عليه السؤال، فضلًا عن قبول المال من غير سؤال.

ثم إن الالتحاق بالدورات التعليمية في ظروف السائل، تعد من الحاجات التي تُسوغ له الاستعانة بإخوته، كما جرت به عادات الناس، وأعرافهم.

ومن ناحية ثالثة: فظاهر الحال أن هذه المال ليس من باب الصدقة، وإنما هو صلة من إخوته، أو هبة، أو هدية، عن حب، وطيب نفس، فلم يبق هناك داع للتعمق في ذلك، قال ابن الجوزي في كشف المشكل: لا بدّ من النظر في حال الآخذ والمأخوذ منه، فإن كان المأخوذ زكاة، أو صدقة، والآخذ يستحقها، جاز له، وإن كان غير مستحق، مثل أن يكون قادرًا على الكسب، أو عنده ما يكفيه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مِرّة سويّ. وإن كان هدية نظر الآخذ في حال نفسه: هل يخاف أن يكون قبوله إياها سببًا لمداهنة المأخوذ منه، أو لتعلق قلبه به، واستشراف نفسه طمعًا في تكرار العطاء، أو لمنته عليه، أو كسبه غير طيب. فمن خاف شيئًا من هذه الأشياء، لم يقبل. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني