الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشروعية هجر الإخوة للمصلحة الراجحة

السؤال

توفيت والدة بنت أخي، فمرت بفترة صعبة مع زوجة الأب، فكانت تتواصل مع زوجي لحلّ المشاكل، والاستشارة؛ لكونه صاحب علم شرعي -ماجستير شريعة-، ومدرّسًا، وخطيبًا، وبعد فترة قامت بعمل علاقة غرامية معه، وفعلا معًا كل ما دون الزنى، واعترف زوجي بالعلاقة لإخوتي ليتخلص من تلك العلاقة، وتاب واستغفر، واعتذر، وطلب المسامحة، لكن أهلي قرروا مقاطعته، وأنا من جانبي صفحت عن بنت أخي، وسامحت زوجي؛ تنفيذًا لتوجيهات الشرع بالستر عليهما، ولأنني أعيش معه منذ 15 عامًا، ولي 4 أولاد، وأنا سعيدة معه، فهو على خُلُق ودِين، وذو سمعة طيبة، يشهد له الناس بذلك، وهذه المرة الأولى التي أشهد بها أنه ارتكب مثل هذه المعصية، فهل أترك زوجي بسبب هذه المعصية؟ علمًا أني بقيت إلى جانبه؛ لآخذ بيده إلى الخير، وهو -والحمد لله- لم يُصرّ على المعصية، وهي ليست من طبعه، ومرّ على الحادثة ومقاطعة أهلي له سنة كاملة، وأنا أصلهم وهم يصلونني مع أولادي فقط، وأنا أعيش في حزن وألم شديدين، فلا أستطيع أن أتحمل هذا الحزن والألم أكثر، فكلما رأيتهم تذكرت همّي وحزني، وانقلبت حياتي مع زوجي، وعرضنا الصلح أكثر من مرة، وأدخلنا أطرافًا أخرى للصلح دون ذكر سبب المشكلة الرئيس، لكن دون فائدة، ويقولون: اتركها للزمن ليحلّها، وأنا لا أرى أي أمل للصلح، فقررت مقاطعة أهلي للضغط عليهم لإنهاء هذه المشكلة، فهل يجوز لي ذلك؟ فأنا أخاف أن يفتضح أمر زوجي وابنة أخي اللذين ارتكبا تلك المعصية سرًّا وتابا منها إن طالت القطيعة، وأخاف كذلك على سمعة أولادي في قادم الأيام، فهل يجوز لي مقاطعة إخواني؛ للضغط عليهم للصلح، والحفاظ على زوجي وأولادي، ولكي تظهر المشكلة أمام الناس أنها عائلية؟ وهل أكون بذلك قاطعة رحم؟ أفيدوني -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد أخطأ زوجك باعترافه بما بدر منه، وكان الواجب عليه أن يستر نفسه، وألا يخبر أحدًا بما صنع.

وما دام زوجك على الحال التي وصفتها من الصلاح، والخير، فلا ننصحك بفراقه أبدًا لأجل ما زلّت فيه قدمه من اللمم، بل لا يجوز لك طلب الطلاق من أجل ذلك بعد توبته منه، وانظري الفتويين: 283105، 67124.

وأما مقاطعتك إخوانك ابتغاء مصالحتهم لزوجك؛ خشية افتضاح أمره وأمر بنت أخيك، فلا يظهر مانع شرعي منه، إن رجيت تلك المصلحة، ولم تترتب عليه مفسدة أعظم منها، قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلّتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور، وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله. فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة، بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته، كان مشروعًا. وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر. والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قومًا ويهجر آخرين. اهـ. وانظري الفتويين: 14139، 149059.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني