الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله: قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ

السؤال

الإخوة الأعزاء في إسلام ويب: قول الحق: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله. آل عمران-52، والآية الأخرى في سورة الصف-14: كونوا أنصار الله....
أليس في الآيتين دليل واضح على أن عيسى عليه السلام يُطلق عليه لفظ [الله]!
كيف هذا؟!أقول: السؤال من عيسى للحواريين كان بصيغة: {من أنصاري} بياء المتكلم، لكن جواب الحواريين كان بصيغة {نحن أنصار الله}، وكان من المتوقع أن يجيب الحواريون {نحن أنصارك إلى الله} بكاف الخطاب.
وهكذا يكون سؤال عيسى {من أنصاري إلى الله؟}، ويكون جواب الحواريين {نحن أنصارك إلى الله}، لكن الحواريين قالوا: {نحن أنصار الله}، إذاً يكون ههنا لفظ الجلالة [الله] في {نحن أنصار الله}، قد حل محل كاف الخطاب في: {نحن أنصارك} وكاف الخطاب=عيسى.
فيكون تقدير الآية هكذا: [من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله إلى الله] = {نحن أنصارك إلى الله} = {نحن أنصار عيسى إلى الله}.
فيكون في الآية اثنان الله:
1-الله الذي هو عيسى، 2-الله الآب.
أرجو الرد.
وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ندري على ماذا نرد!! فهذا الكلام الفارغ لا يصح لا لفظه وصياغته، ولا معناه ومدلوله. ولو وقع الاستدلال على هذا الباطل المحال بغير القرآن لكان الأمر أهون، ولكن أن يُستدل بهذا الكلام العربي الفصيح الناصع، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، على هذه الأضحوكة السمجة الباطلة، فهذا مما لا ينقضي منه العجب!!! وكأن المستدل أعجمي عامي؛ لأنه لو كان عربيا، لما فهم هذا الفهم الفاضح المنكوس، ولو كان أعجميا ولكنه عالم، أو حتى مثقف، لما وصل إلى هذه النتيجة التي تخالف الواقع والتاريخ، والمأثور عن أهل الملل.
وعلى أية حال، فحسبنا في نقض هذا الكلام ما يحمله من تناقض مزعج غير محتمل، حيث يكون معنى قول عيسى: من أنصاري إلى نفسي؟!!!

وإذا كان هذا هو المعنى الذي يعنيه المتكلم فهذا لا تسيغه لغة -عربية أو غير عربية- فضلا عن منطق العقل السليم. ولا يقبل مثل هذا إلا من قَبِل عقيدة التثليث الباطلة المتناقضة، التي لا يقبلها عقل، ولا يستسيغها طبع، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 135917 وما أحيل عليه فيها.
ثم ألم يقرأ هذا القائل بعد قوله: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 52] قوله عز وجل: رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: 53]، وفيها النص والتفريق الجلي الواضح بين مقام الألوهية والربوبية، وبين مقام النبوة والرسالة!
وأما بخصوص الضمير (ياء المتكلم) في قول عيسى: {أَنْصارِي} وعلاقته بجواب الحواريين: { نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ}، وما يفهم من هذا التركيب، وتمتاز به هذه الصياغة، فقد بيَّنه أهل العلم قديما وحديثا.

قال الزمخشري في الكشاف: فإن قلت: ما معنى قوله: {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ}؟ قلت: يجب أن يكون معناه مطابقا لجواب الحواريين: {نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ} والذي يطابقه أن يكون المعنى: من جندي متوجها إلى نصرة الله، وإضافة {أَنْصارِي} خلاف إضافة {أَنْصارُ اللَّهِ}؛ فإنّ معنى {نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ}: نحن الذين ينصرون الله. ومعنى {مَنْ أَنْصارِي} مَن الأنصار الذين يختصون بي، ويكونون معي في نصرة الله؟ ولا يصح أن يكون معناه: من ينصرني مع الله، لأنه لا يطابق الجواب. والدليل عليه: قراءة من قرأ: من أنصار الله. اهـ.
وقال أبو العباس البسيلي في التقييد الكبير: {نحن أنصار اللَّه ..} فيه سؤال، وهو أن الجواب باعتبار الفَهْم لم يطابق السؤال، وإنما تحصل المطابقة لو قال: "نحن أنصارك إلى الله". والجواب: أن هذا أبلغ؛ لأنه يفيد أنهم أنصاره، وزيادة اعتصامهم باللَّه، ويدل عليه قولهم: (آمنا باللَّه وأشهد بأنا مسلمون) أي حصَّلنا الإِيمان، وأشهد بأنا متصفون بشرائعه. اهـ.
وقال ابن عرفة في تفسيره: قول الحواريون: {نَحْنُ أنْصَارُ اللَّهِ} بالإضافة، أبلغ من طلب عيسى منهم، ومعناه: نحن أنصار الله لك، أو مع خلانك، ولو قالوا: نحن أنصارك إلى الله؛ لكان مفهومه أنهم لَا ينصرون غيره إلى الله. اهـ.
وقال أبو زهرة في زهرة التفاسير: أجاب أولئك الحواريون عيسى عليه السلام عندما أخذ يبحث عن النصراء: {نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ} وهم بذلك بينوا اهتداءهم لأمرين:

- أولهما: أنهم علموا أنه يتكلم عن الله تعالى، وأنه رسول أمين؛ ولذلك اعتبروا إجابة دعوته هي من إجابة دعوة الله، وأنهم إذا كانوا نصراءه فهم نصراء الله تعالى؛ ولذا قالوا: نحن أنصار الله، ولم يقولوا: نحن أنصارك.
- الأمر الثاني: أنهم فهموا أن نصرته تكون بإخلاص النية لله تعالى، وتصفية نفوسهم من كل أدران الهوى، حتى تكون خالصة لله تعالى، ولذلك أردفوا قولهم هذا بما حكاه سبحانه وتعالى عنهم بقوله تعالى: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) فهذ النص الكريم يفيد مقدار إدراكهم لمعنى نصرة اللَّه تعالى، ونصرة رسوله عيسى عليه السلام. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني