الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعلق قلب الرجل بامرأة أخرى، وسعيه للزواج منها.. إرشادات ونصائح

السؤال

أنا رجل في الثامنة والعشرين من عمري، أتقي الله ما استطعت، متزوج منذ 7 سنين، ولدي أطفال، وأسرتي مستقرة ولله الحمد.
نشأت في بيئة متدينة، وقد صانني الله عن أي علاقات مشبوهة، حفظت القرآن في سن مبكرة، ونضجت قبل أقراني، وتزوجت مبكرا.
أعمل في شركة، ولا يوجد عندنا اختلاط ولله الحمد. قبل فترة اضطررت للتعامل مع فتاة ضمن العمل، الفتاة خلوقة ومؤدبة، وكما أنني كنت أحافظ على غض البصر، والآدب خلال لقائي بها، فهي كذلك. كانت لقاءاتنا للضرورة فقط، وبالأدب كما ذكرت.
بعد فترة يسيرة جدا، بدأ ينتابني شيء من الإعجاب بخلقها وأدبها، حاولت مدافعة هذه المشاعر، لكن سرعان ما تحولت لشيء من الحب. استمررت بمقاومة هذا الشيء، ومحاولة الابتعاد عن لقائها، وأنهيت عملي معها، لكن استمر ما أجده في قلبي تجاهها، كانت لها جاذبية كبيرة في قلبي، مع العلم أن هذه المشاعر كانت قاهرة وخارجة عن إرادتي، لم يكن هذا الحب لجمال وما شابه، فإنني لم أنظر لها بتمعن قط.
بعد ذلك حاولت مراسلتها (بهدف إنجاح هذا الأمر أو إنهائه)، فاتحتها بالموضوع، وأني أفكر في الحلال، وذلك بعد ما وجدت في نفسي مؤهلات، وقدرة مالية ونفسية على فتح بيت آخر. كان جوابها مفاده أني رجل صالح، ولدي عدة ميزات، لكنها لن تفكر بسعادتها على حساب تعاسة أخرى. زاد ميلي لها خلال ما كنت أجده من بعض الإجابات، عاودت الكرة، وحاولت أكثر من مرة؛ لما وجدته من تعلق بها، ولعدم قناعتي بصواب قرارها، حيث إنها لم تفكر أصلا. كنت أعتقد أن لديها ميولا طفيفة، ولدي مشاعر كبيرة، وتقارب فكري ونفسي. كل هذه الأمور كفيلة بأن تمكننا من بناء أسرة صالحة وناجحة. جددت رفضها لي، وأخبرتني علاوة على ما سبق أنها لن تقبل أن تكون زوجه ثانية، أو تشارك شريكها مع أخرى. في كل مرة كنت أراسلها، كانت تطلب مني أن أحافظ على أسرتي، وتذكرني بالله، وبأن مراسلتي لها لا تجوز، مع العلم أني لم أفكر بالتفريط بحقوق زوجتي وأولادي، لكن في ذات الوقت كنت أريد تتويج هذا الحب الذي لم يكن بإرادتي أبدا بالزواج، لم أكن أنوي إلا الحلال، ولم أنو التسلية أبدا.
اخيرا تمسكت بموقفها ورفضها، وقطعنا التواصل، وأنا أحاول وأجاهد نفسي لنسيان ما حدث، والله المستعان.
عندي بعض الاستفسارات على ما ذكرت، أرجو الإجابة عليها شرعيا ونفسيا إن وجد:
أولا: هل الحب الخارج عن إرادة الإنسان، وكما فصلت، يأثم صاحبه؟
ثانيا: أنا بطبعي أحب الوفاء حتى لأصدقائي العاديين، فكيف لزوجتي. فهل فيما حدث خيانة لزوجتي، أو قلة وفاء لها، مع أني ذكرت للفتاة مواصفاتي، وكثيرا عن تفاصل حياتي، ومدحت أخلاق زوجتي. وذكرت أن زواجي الأول ناجح، ولله الحمد.
وهل الرجل إذا وقع في حب أخرى، ونوى الحلال وهو متزوج، فلديه انحراف فطري؟
ثالثا: أنا لا أحب العلاقات الرمادية، ولا أحتفظ بزميلات، ولا صديقات من الإناث.
فهل مسارعتي لمصارحتها، ومراسلتي لها، بقصد شريف كما فصلت، فيه مخالفة شرعية (أقصد موضوع المراسلة بشكل خاص، وفي حدود الأدب)؟
رابعا: هل من توجيه لديكم بأن السعادة غير مرتبطة بأن تكون المرأة زوجة أولى أو ثانية، فيوجد من هي أولى وغير سعيدة، وتوجد ثانية وسعيدة، والعكس، ولكن حيث ما وجدت الفتاة من يصونها ويحبها، وفيه صلاح وخلق، فهو أجدر بأن يسعدها.
خامسا: هل من توجيه خصوصا لمعشر النساء، اللائي يحرمن التعدد، وتعددنه من الجرائم، ومن الخيانة من حيث لا يشعرن؛ فقد تمت شيطنة هذا الشيء في عقول بنات الأمة، حتى إن مثل هذه الفتاة الصالحة لم تقبل حتى التفكير في الموضوع، مع قبولها بصفاتي العديدة الإيجابية باستثناء أني مرتبط.
أخيرا أطلب منكم الدعاء لي بالمغفرة، وأن لا يؤاخذنا الله بما هو فوق طاقتنا، وبما لا نستطيع.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمجرد الحب وتعلق القلب، لا إثم فيه، لكن ينبغي الحذر من الاسترسال مع هذه الأمور، حتى لا تفضي إلى شر وفساد، وراجع الفتوى رقم: 131173
وتعلق الرجل بامرأة أخرى، وسعيه للزواج منها، ليس فيه خيانة لزوجته الأولى، أو ظلم لها، وليس فيه انحراف عن الفطرة، أو قدح في محبته لزوجته الأولى ووفائه لها؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم تزوج على نسائه ومنهن عائشة رضي الله عنها وهي أحب الناس إليه، ولم يكن ذلك قدحا في محبته لها ومكانتها عنده، وهو صلى الله عليه وسلم أعظم الناس وفاء، وإحسانا لأزواجه، قال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي.
وما قمت به من مراسلة الفتاة بغرض الزواج منها على الوجه الذي ذكرته، ليس فيه مخالفة شرعية. وإن كان الأحوط البعد عن المراسلة والمكالمة المباشرة، سداً لباب الفتنة.
وقد أباح الله للرجل الزواج بأكثر من امرأة إلى أربع، إذا كان قادراً على مؤنة الزواج، والعدل بينهن، وقد شرع ذلك لحكم جليلة، ومصالح عظيمة تشمل الرجال والنساء، وقد بينا بعضها في الفتوى رقم: 71992.
ولا حرج على الفتاة في قبول الزواج برجل متزوج، ما دامت رضيت دينه وخلقه، وقد يكون في بعض الأحيان أفضل من غير المتزوج، فالعبرة في نجاح الزواج بتوفر الدين والخلق، وحصول المودة والتفاهم بين الزوجين.
ونصيحتنا لك أن تحافظ على حدود الشرع وآدابه في التعامل مع الأجنبيات، وتجتنب كل ما يؤدي إلى الفتنة بهن.
وإذا لم تكن لك حاجة في الزواج بأخرى، فالأولى ألا تتزوج على زوجتك، ما دامت صالحة، محسنة في عشرتها لك، فقد ذكر أهل العلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ترك الزواج على خديجة رضي الله عنها في حياتها، وفاء وإكراما لها.

قال ابن حجر: ومما كافأ النبي صلى الله عليه و سلم به خديجة في الدنيا، أنه لم يتزوج في حياتها غيرها. اهـ.
وقد جاء في فتح القدير للكمال ابن الهمام: وَقَالُوا: إذَا تَرَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ كَيْ لَا يُدْخِلَ الْغَمَّ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ، كَانَ مَأْجُورًا. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني