الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المراد بالعلم المثمر للندم، ومعنى كون المعاصي حجابًا بين العبد وبين كل محبوب

السؤال

قال الغزالي في الإحياء: "إن منشأ الندم هو العلم"، فما هو العلم الذي يثمر الندم بالتفصيل؟ لأن بقية أركان التوبة ناشئة عنه، قال ابن حجر: "يَكْفِي فِي التَّوْبَةِ تَحَقُّقُ النَّدَمِ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِقْلَاعَ عَن الذنوب، وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ؛ فَهُمَا نَاشِئَانِ عَنِ النَّدَمِ، لَا أَصْلَانِ مَعَهُ"، انظر: "فتح الباري" (13/ 471).
وقال القاري -رحمه الله-: "(النَّدَمُ تَوْبَةٌ)؛ إِذْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ الْأَرْكَانِ مِنَ الْقَلْعِ، وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ، وَتَدَارُكِ الْحُقُوقِ مَا أَمْكَن.
"وكثيرًا ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده، ويجعل العلم كالسابق والمقدمة، والترك كالثمرة والتابع المتأخر، وبهذا الاعتبار قال عليه الصلاة والسلام: (الندم توبة)؛ إذ لا يخلو الندم عن علم أوجبه وأثمره، وعن عزم يتبعه ويتلوه، فيكون الندم محفوفًا بطرفيه، أعني ثمرته، ومُثْمِره". انتهى.
فوصف الترك بثمرة الندم، ووصف الندم بثمرة العلم.
وما معنى التالي من كلام الغزالي: "كونها حجابًا بين العبد وبين كل محبوب؛ فإذا عرف ذلك معرفة محققة، بيقين غالب على قلبه؛ ثار من هذه المعرفة تألم للقلب بسبب فوات المحبوب، فإن القلب مهما شعر بفوات محبوبه، تألَّم، فإن كان فواته بفعله، تأسف على الفعل المُفَوِّت، فيسمى تألمه بسبب فعله المفوت لمحبوبه ندمًا".

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالعلم المثمر للندم، هو العلم بقبح المعصية ومضرتها على العبد في الدنيا والآخرة، والعلم بقدرة الرب تعالى، وإحاطته بالعبد، واطلاعه على مثاقيل الذر من عمله، والعلم بأن غضبه سبحانه لا تقوم له السماوات والأرض، قال أبو حامد -رحمه الله-: الْعِلْمُ فهو معرفة عظم ضرر الذنوب، وكونها حجابًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ كُلِّ مَحْبُوبٍ؛ فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ مَعْرِفَةً مُحَقَّقَةً بِيَقِينٍ غَالِبٍ عَلَى قَلْبِهِ؛ ثَارَ مِنْ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ تَأَلُّمٌ لِلْقَلْبِ بِسَبَبِ فَوَاتِ الْمَحْبُوبِ؛ فَإِنَّ الْقَلْبَ مَهْمَا شَعَرَ بِفَوَاتِ مَحْبُوبِهِ تَأَلَّمَ. فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهُ بِفِعْلِهِ، تَأَسَّفَ عَلَى الْفِعْلِ الْمُفَوِّتِ، فَيُسَمَّى تَأَلُّمُهُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ الْمُفَوِّتِ لِمَحْبُوبِهِ نَدَمًا. انتهى.

وكون المعاصي حجابًا بين العبد وبين كل محبوب؛ لأنها تحرمه لذة القرب من الله تعالى، والأنس به، كما تحرمه توفيقه سبحانه، ومعونته، فضلًا عن لطفه وثوابه في الآخرة.

فإذا استشعر القلب فوات هذه المصالح العظيمة بسبب المعصية؛ أثمر ذلك كله له الندم، هذا معنى كلام الغزالي -رحمه الله- بإيجاز، وراجع لمزيد الفائدة، فتوانا رقم: 134518.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني