الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بر الأمّ مهما أساءت من أفضل الأعمال التي يحبها الله

السؤال

توفي والدي منذ 15 سنة، وترك أمي، وأخًا وأختًا أصغر مني، وكان معاشنا بسيطًا، ولم يورثنا -رحمه الله- سوى حسن التربية والدين.
ثم أكرمني الله بتحمل مسؤولية البيت، وتزويج أختي، ثم أخي، وكنت أعمل في السعودية؛ فاستضفت أمي مرتين لأداء العمرة، وحتى يومنا هذا أتحمل نفقة شهرية لأمّي وعلاجها، قدر ما أستطيع، ومع هذا؛ فهي كانت -ولا تزال- شديدة الطبع، جافة المعاملة، تتعمد إهانتي -وأنا ولدها الأكبر-، وتتعمد إيذاء زوجتي بالقول، والفعل، ونحن نودها، ونزورها، وهي لا تسأل عنا أبدًا مهما جرى لنا، ولا تهتم لأمري، أو لأمر أبنائي، إلا إذا أحضرت لها معي مالًا، وهدايا، وأغراضًا منزلية، وإن لم أفعل، فأنا ولد عاق، وبخيل، ولا أبرها، وأهتم بأبنائي أكثر منها، وهي تعلم أن ذلك ظلم بيّن، وأني طالما رجوتها أن تقيم معي في بيتي؛ ليسري عليها نفس وضع أهل بيتي، وتترك لي مساحة الاختبار، هل سأبرها أم أقصر في حقّها؟ وهل حقها عليّ فقط في مال أدفعه، وأن أتلقى منها الشتائم التي وصلت إلى أن تتهم زوجتي في شرفها؟
أعلم أن للأم مكانة رفيعة في ديننا، ولكن هل لكل أمٍّ تلك المكانة، مهما بلغت درجة قسوتها، وسوء أفعالها؟ وما الطريقة المثلى للتعامل معها؟ وكيف أقيم عليها الحجة، بأني لا أريد منها سوى أن أبرها لوجه الله، لكنني لا أطيق الإهانة، والجحود، والقسوة، والتفرقة في المعاملة بيني وبين إخوتي، رغم أنهم لا يهتمون لرضاها، ولا لبرها، ولا يفعلون لها عشر ما يقدرني الله على فعله. أفيدوني -يرحمكم الله-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان الحال كما ذكرت؛ فإنّ أمّك مسيئة، وظالمة لك، ولزوجتك، لكن ذلك لا يسقط حقها عليك، وانظر الفتوى رقم: 103139، فاجتهد في برّ أمّك، واصبر عليها، وتخلص من غضبها، وسخطها بما تستطيع من إكرامها بما لا يضرك، فقد جاء في الفروق للقرافي: قِيلَ لِمَالِكٍ ... يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لِي وَالِدَةٌ، وَأُخْتٌ، وَزَوْجَةٌ، فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا، قَالَتْ: أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك. فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ، سَبَّتْنِي، وَدَعَتْ عَلَيَّ. قَالَ لَهُ مَالِكٌ: مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا، وَتَخْلُصَ مِنْهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ. أَيْ: وَتَخْلُصَ مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ. اهـ.

وأخلص النية لله تعالى، واحتسب الأجر عند الله تعالى، وأبشر بعظيم الأجر، وجزيل الثواب، فإنّ بر الأمّ من أفضل الأعمال التي يحبها الله، والصبر على ذلك من أعظم أسباب رضوان الله، ونيل معيته، وتوفيقه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني