الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تجوز طاعة الموظف للمدير في مخالفة طبيعة العمل

السؤال

أتقدم لسعادتكم بعرض مشكلة عويصة عندي بالعمل، ولا أعلم كيف أتعامل معها شرعاَ.
أعمل مهندسا بدولة من دول الخليج، من خلال كفيلي، وهو مكتب هندسي بسيط. وهو الذي كلفني بالعمل بجهة حكومية منذ عدة سنوات، حيث تتعاقد الجهات الحكومية مع المكاتب الهندسية؛ لتزويدهم بالتخصصات المطلوبة، حيث إن قانون الدولة لا يسمح حاليا بتوظيف الأجانب مباشرة إلا من خلال عقود مع مثل ذلك المكتب الهندسي.
وقد عملت بهذه الجهة الحكومية منذ عدة سنوات، وقد أثبتت وجودي وكفاءتي الفنية بالمكان، وكسبت ثقة الجميع، والحمد لله. ومن أهم من كسبت ثقتهم المدير العام بالجهة الحكومية، وكذلك مدير المكتب الهندسي.
والآن الجهة الحكومية بصدد طرح مشروع هندسي ضخم، يتضمن أعمال تصاميم هندسية كثيرة متخصصة. ففوجئت بتوجيه المدير العام بالجهة الحكومية، بتوجيهي بتزويد المكتب الهندسي بنسخة من العقد ومواصفاته، وكمياته، وذلك قبل طرح المشروع. وهذا مخالف لطبيعة العمل والقانون، ولكنني نفذت توجيهاته؛ لأنه هو المسؤول في أول وآخر الأمر؛ لأنه يعتبر ولي الأمر بتلك الجهة، ولا يستطيع أحد مخالفته.
وحاليا تم دعوة 3 مكاتب هندسية عالمية، قوية جدا في مجال الهندسة، كما تمت دعوة هذا المكتب الهندسي البسيط جدا، وسط هذه المكاتب العالمية.
وقد قمت بعمل مقارنة توضح المستوى والخبرات لجميع تلك المكاتب، والتي أوضحت ضعف هذا المكتب البسيط، مقارنة بالآخرين، وقد أوضحتها للمدير العام، ولكنه لم يتقبل الكلام والنصيحة، ووجهني بتعديل المقارنة بما ينجح هذا المكتب البسيط؛ لمحاولة إخفاء ضعفه الفني عن كبار المسؤولين. وكأن المدير العام يهيئ الطبخة لهذا المكتب البسيط؛ ليستولي على المشروع الضخم، وقد بدأ المكتب الهندسي يصدر تلميحاته لي بأنني سوف أكون مديرا لهذا المشروع، كما صدر -أيضا- من المدير العام أنهم سيزيدون راتبي، وسيعوضني عن فترة ظلموني فيها، وذلك من خلال عملي مديرا لهذا المشروع.
وعندما حاولت تحذير هذا المكتب البسيط من ضخامة حجم المشروع، وما سيتطلبه من تواجد مهندسين متخصصين، قال لي هذه سوف تكون مهمتك أن أقوم بإحضار كفاءات؛ ليتم توظيفهم عنده لإنجاز مهام المشروع.
الحقيقة أنا لا أعرف كيف أتصرف:
هل أقوم بإبلاغ الشرطة، أو هيئات مكافحة الفساد للتحقق من الموضوع، ولكنني لا أملك دليلا ماديا، وذلك سوف يؤدي بي إلى طريق مظلم؛ نظرا لقوة هؤلاء، وكثرة معارفهم، وقد يؤدي الموضوع إلى ترحيلي من البلد، وقطع عيشي.
أم أعمل بهذا المشروع، وأركز في إنجاز المهام الفنية التي ستطلب مني على الوجه الأكمل، وأحاول استقطاب مهندسين جيدين لإنجازه بشكل جيد، ولكنني أخشى أن يكون في أموالي شبهة؛ لأنني ساعدتهم على إعطاء المشروع لمن لا يستحق.
أستقيل من المكتب، وأرجع إلى بلدي.
أسألكم بالله، أن تفيدوني؛ فأنا لا أرغب أن يكون في مالي شبهة، ولا أريد أن أربي أبنائي بمال حرام؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما أمرك به مديرك من إبلاغ المكتب الهندسي بالمناقصة قبل طرحها، وتعديل المقارنات؛ ليفوز المكتب بالمناقصة. غش وخيانة للأمانة، لا يجوز لك فعله، ولا التعاون معه عليه.

وكونه مديرا متنفذا، أو غير ذلك، هذا لا يبيح لك طاعته في المعصية؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه، كما في الحديث عند أحمد وغيره. فاستغفر الله، وتب إليه إن كنت قد وقعت في شيء من ذلك.

ولو أمكنك الإبلاغ عن تلك الخيانة بعدما نصحتهم ووجهتهم، فعليك فعل ذلك، لكنك ذكرت أنه قد يقع عليك ضرر كبير؛ لقوة من ستبلغ عنه، وليس لديك دليل تستطيع تقديمه للجهات المسؤولة. وإذا كان كذلك، فحسبك ما فعلت من التوجيه والنصح، ولا تباشر عملا محرما. ولو وكل إليك عمل في هذا المشروع، فأدِّه على الوجه المطلوب، وما ستعطاه مقابل ذلك العمل، لا حرج عليك في الانتفاع به، وإثم أولئك المسؤولين عليهم لا عليك، فقد فعلت ما يسعك فعله، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {المائدة:105}، وقال: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {الأنعام:164}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني